الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
- التوليد بالنحت

ومن وسائل توليد المصطلحات أيضا، وهو نادر، «النحت» .

و «النحت» في اصطلاح الصرفيين هـو أن يختصر من كلمتين فأكثر كلمة واحدة؛ ولا يشـترط فيه حفظ الكلمة الأولى بتمامها بالاستقراء، ولا الأخذ من كل الكلمات، ولا موافقة الحركات والسكنات.

وبعضهم يرتئي أن للنحت جذورا بعيدة في تاريخ تطور اللغة، فيعيدون «صلدم»، وهي في اللغة، «الصلب المتين والشديد الحافر من الدواب»، إلى صلد وصدم، و «قصلب» إلى قوي وصلب، و «هرول» إلى هـرب وولى، [ ص: 110 ]

و «بعثر» إلى بعث وثار، و «دحرج» إلى دحر فجرى؛ وإن كنا نعتبر اليوم أن هـذه ألفاظ معجمية سليمة لا منحوتات.

نحن ألفنا «النحت»، بالتعريف المذكور أعلاه، في تعابير وزان «فعلل» شاعت كثيرا أو قليلا.

وخلال القرن الحالي دخل اللغة، العلمية بخاصة، عشرات من هـذه المنحوتات، بشكل تركيب مزجي، لاقى بعضها رواجا ومقبولية، مثل الصفات، أو كالأفعال والأسماء المصوغة منها، وهي قليلة لا يخفى معناها وتركيبها على القارئ، بخاصة في السياق المناسب.

وكان من الطبيعي أن الكثير من المنحوتات الغريبة المبهمة لم يلق رواجا، فمات في مهده.. فهي مما يستغلق فيه المعنى ويمجه الذوق.

فالعرب المشهورون بفصاحتهم وسلامة سليقتهم لم يستسيغوا مثل هـذه التراكيب. وهذا يفسر ندرة استخدام «النحت» قديما وحديثا في صياغة المصطلحات، حتى إن بعضهم يقدر أن «المنحوتات» الشائعة الناجحة في العربية لا تتجاوز المئة عدا (حوالي 0.05%) .

على كل، «النحت» بهذه الوسيلة كان وسيظل في تقديرنا نادر الاستخدام في صياغة المصطلحات.. ففي إحصاء أجراه الدكتور وجيه عبد الرحمن شمل ثلاثة معاجم صدرت عن مكتب تنسيق التعريب – أولها في الفيزياء (تعداد ألفاظه 5126) ، وثانيها في النفط (تعداد ألفاظه 3802) ، وثالثها في الطب (تعداد ألفاظه 2305) - لم يجد سوى ثلاثة عشر مصطلحا صيغت «بالنحت». [ ص: 111 ]

ولعلنا نزيد هـذا العدد كثيرا إذا اعتبرنا التركيب المزجي بالإلصاقات المنفصلة ضربا من «النحت» في مثل: لا سلكي، ولا أخلاقي، ولا شعوري، ولا أدرية، ولا سامية، وأمثالها؛ أو مثل: فوق سمعي، وفوق بنفسجي، وفوق صوتي، وفوق إشباعي، وفوق مجهري، وتحت تربي، وما ورائي.. وأمثالها.

وقبل أن أترك سبيل «النحت» بشكليه الاختصاري والمزجي، أشير إلى ضرب جديد من «النحت» الذي يمزج ألفاظا أعجمية أو معربة، مثل بارامغنطيسي ، ودايامغنطيسي ومتافيزيقي ؛ وقد نجد لها مبررا؛ أو يمزج ألفاظا أعجمية مع أخرى عربية مثل: جمالوجيا في esthetics وفكرولوجيا في ideology. ونترك الحكم على مثل هـذه المنحوتات الجريئة للزمن؛ فالزمن والاستعمال كثيرا ما يصقلان ما لا يألفه الذوق آنيا، فيصبح مستساغا مقبولا تاليا.

التالي السابق


الخدمات العلمية