الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
- التوليد بالمجاز

من الوسائل التي مارسها العرب في توليد ألفاظ تستجيب لمتطلبات الحياة المتجددة: «المجاز».

العرب عرفوا «المجاز» بأنه: ما تجاوز معناه الأصلي إلى غيره بقرينة مباشرة أو غير مباشرة تدل على ذلك. والواقع أن العرب أبدعوا في هـذا المجال منذ بداوتهم الجاهلية؛ فهم مثلا: نقلوا مفهوم الفصاحة كميزة للبن، الذي أزيل رغوه وبقى خالصه، إلى مفهوم حسن الكلام وجودته؛ ونقلوا مفهوم الشك من الوخز بشيء دقيق كالشوكة يؤلم الجسم إلى مفهوم التردد والحيرة وعدم اليقين مما يؤلم النفس والعقل؛ ونقلوا مفهوم الإبهام من الظلام الكثيف، لا يمكن فيه تمييز الأشياء، إلى مفهوم الغموض واشتباه المقصود وعدم المفهومية؛ ونقلوا مفهوم البلاغة من بلوغ غاية المسير إلى مفهوم الإيجاز المعجز الرصين والمنطق الجيد؛ ونقلوا مفهوم المجد من امتلاء بطن الدابة بالعلف إلى معنى امتلاء حياة الشخص أو الجماعة بالمعاني النبيلة والفعل المكرمي.

وليس أبلغ من أثر القرآن الكريم على العربية في هـذا المجال، كما في سواه. فألفاظ مثل: الإسلام، والقرآن، والإيمان، والجهاد، والحق، والباطل، والصوم، والركوع، والصراط، والطهارة، والقنوت، والعرش، وغيرها كثير، [ ص: 107 ] كانت معروفة قبل الإسلام بمعناها اللغوي فقط قبل أن يتوسع القرآن في دلالاتها على معانيها الأخرى.

ولم يقف «المجاز» كعامل في هـذا السبيل طوال تاريخ العربية، بل واكبها باستمرار حتى إن بعض المجازات -الشرعية والحضارية والعلمية- غدا حقائق لا يرجع الذهن إلى أصلها إلا بعد البحث والتأثيل.

و «المجاز»، رغم كونه مرغوبا فيه أحيانا، فهو في مجال التوليد المصطلحي محدود من حيث إمكانية التوسع في استخدامه، ومن حيث إمكانية توافق أذواق المصطلحين في ارتجاله من تراث غني بالمترادفات أو شبه المترادفات، ومن حيث طول فترة عملية الغربلة والاستقرار على واحد من هـذه المجازات، إذ استغرق الاستقرار على لفظ «هاتف» لتنافس، لا لتطمس، لفظ «تليفون» مثلا قرابة نصف قرن! بل إن المعربة ما فتئت تأخذ موقعا لها على ألسنتنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية