الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه الميامين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن طريق الدعوة عبر هذي السنين الطوال في جانب الأفراد والاتصال بهم، وإرشادهم وترشيد انتمائهم بحمد الله تعالى وتوفيقه وتسديده، ولم يزل طريق الدعوة في جانب الجماهير بحاجة إلى تعبيد وتسليك، وذلك يظهر بجلاء من تلقاء أمور، منها:

أولا: أن الناس عملوا للدعوة في كل تلك الفترة في خفاء وإسرار، فلا يمكن أن يتاح لهم مع التخفي والإسرار الاتصال بالجماهير.

ثانيا: أن الجمـاهير أنفسهم كانوا في أزمنة التيه -حين استخف المستعمر الأمة- قـوما عمـين، يتبعـونه شبـرا بشـبر وذراعـا بذراع حتى أدخلهم في جحور الحيرة، تتقاذفهم أهواء المستعمر ترمي بهم في مكان سحيق، فما كان للدعاة من سبيل لدعوتهم إلا الترصد للأفراد القاصية.

ثالثا: أنه من آثار هذه العقود الغاشمة على الدعوة تغشاها [ ص: 37 ] اغتراب وخراب.. اغتراب في الداعية يصطلي سعير الغربة وإن كان بين أهله وعشيرته وإخوانه وأبنائه لقلة أو انفراد.. وخراب في بيوت التدين التي كان حقها أن تتحصن بالشرع الحنيف فصارت لا تثبت أمام رياح الغزو الفكري والثقافي، فتتعرى من سقوفها فيجتاحها كل سافل راذل.. فكان هم الدعاة منحصرا في البحث عن ملجأ أو مغارات التحصن وإبقاء ما حصلوه من تدين والمحافظة على البقية الصالحة. فطغى هم الإبقاء على هم التحصيل، والمحافظة على حال النفس من دعوة (الغير) ، وإغلاق الباب على القلة الباقية من طرق أبواب الآخرين، والتحصن داخل المساجد من الخروج إلى الجماهير.. ولعل ذلك النظر كان أسد في مثل تلك الأحوال، ولكن تسبب في تخلف الدعوة في هذا الجانب.

هذه بعض أسباب وأقدار جعلت البون شاسعا بين نضوج الدعوة -مناهج ووسائل- في جانب الأفراد، وبين استمرار الحاجة إلى تأصيل الدعوة -تأسيسا وتسديدا- في جانب الجماهير.

ولقد طلب إلي بعض العاملين للدعوة بفقه وبصيرة ممن اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خلفه وصحبه وتبعهم بإحسان، أن أسهم بأوراق تكون فاتحة ألطاف في تأصيل قضايا الخطاب الدعوي الجماهيري، تعين على المسير، وتشير إلى منازل السائرين بإضاءات ولو جاءت [ ص: 38 ] خافتة، أسأله تعالى أن يتم نورها على العقول والقلوب.

فجاءت هذه الورقات تمهد بأصلين للدعوة يرتكز عليهما مسارها، هما: الجهرية والجماهيرية، ليكون ذلك مدخلا ممهدا لفصلين، أحدهما تكويني، والآخر تنفيذي.

أما الفصل الأول: فقد خصص في أهم مكونات الخطاب الدعوي الجماهيري، من قرآنية الخطاب، وعموميته وشموليته، وزمانيته، ومكانيته، ومقصديته، ومعروفيته.

وأما الفصل الثاني: فجعل في وسائل تسديد الدعوة الجماهيرية من تعديد الوسائل، وإيجاد البدائل، وتكوين الرأي العام، وتبني هموم الناس، واقتحام الأبواب المغلقة.

وربما كان مهما أن تكتمل هذه الورقات في جانب الوسائل لو كتب فيما نظنه يعين على التجويد والتسديد، مثل: تأهيل الدعاة والخطباء، والمخالطة والمعاشرة الكاملة للناس، وإتمام الأخلاق والعادات الحميدة، واستقطاب الأعيان والرءوس ، وغير ذلك مما يصلح أن يكون وسيلة تحقق المقصود الدعوي.

والمهم أن هذه الورقات تفتح الأبواب وتقدح الخواطر، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وجميع المرسلين. [ ص: 39 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية