الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2657 [ 1526 ] وعن عائشة قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة. قالت: فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة. قالت: يا رسول الله، قد جعلت يومي فيك لعائشة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة.

                                                                                              وفي رواية: قالت: وكانت أول امرأة تزوجها بعدي.

                                                                                              رواه البخاري (5212)، ومسلم (1463) (47) و (48). [ ص: 208 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 208 ] و (قول عائشة : ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة ) أي: في جلدها. وحقيقة ذلك: أنها تمنت أن تكون هي؛ لأن أحدا لا يتمنى أن يكون في جلد غيره. وهذا اللفظ قد جرى مجرى المثل. ومقصودها: أنها أحبت أن تكون على مثل حالها في الأوجه التي استحسنت منها.

                                                                                              و (قولها: من امرأة فيها حدة ) (من) هنا: للبيان، والخروج من وصف إلى ما يخالفه، ولم ترد تنقيصها بذلك، وإنما أرادت: أنها كانت شهمة النفس، حديدة القلب، حازمة مع عقل رصين، وفضل متين. ولذلك جعلت يومها لعائشة .

                                                                                              وفيه دليل على أن القسم حق للزوجة ذات الضرائر . وأنه يجوز لها بذله لغيرها بعوض وغير عوض، إذا رضي بذلك الزوج. ويشهد لهذا كله قوله تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير [النساء: 128]

                                                                                              وفي هذه القصة نزلت هذه الآية على ما قيل. لكن عند مالك لها الرجوع في مثل هذا إذا شاءت؛ لأنها حقوق متجددة آنا فآنا، فلكل متجدد حكمه، بخلاف الحقوق الثابتة؛ تلك التي لا يرجع في شيء منها من أسقطها، مثل ما يترتب في الذمم، أو في الأبدان. وهذا أحد قولي مالك . وقيل: يلزم ذلك دائما.

                                                                                              و (قوله: فكان يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة ) لا يفهم من هذا [ ص: 209 ] توالي اليومين. بل يوم سودة على الرتبة التي كانت لها قبل الهبة.

                                                                                              و (قولها: وكانت أول امرأة تزوجها بعدي ) هذه رواية يونس ، عن شريك . وهكذا قال يونس أيضا عن ابن شهاب ، وعبد الله بن محمد بن عقيل . وأشار بعضهم إلى الجمع بين القولين فقال: أول من عقد عليها بعد خديجة عائشة ، وأول من دخل عليها بعد خديجة سودة ، فإنه دخل عليها بمكة قبل الهجرة، ودخل على عائشة بالمدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة. وروى عقيل بن خالد عن ابن شهاب خلافه، وأنه صلى الله عليه وسلم تزوج سودة قبل عائشة . قال أبو عمر : وهذا قول قتادة ، وأبي عبيدة .




                                                                                              الخدمات العلمية