فصل
في الماء الجاري
هو ضربان : ماء الأنهار المعتدلة ، وماء [ الأنهار ] العظيمة ، أما الأول : فالنجاسة الواقعة فيه مائعة وجامدة ، والمائعة : مغيرة وغيرها . فالمغيرة : تنجس المتغير . وحكم غيره معه كحكمه مع النجاسة الجامدة . وغير المغيرة : إن كان عدم التغير للموافقة في الأوصاف ، فحكمه ما سبق في الراكد . إن كان لقلة النجاسة وامحاقها فيه ، فظاهر المذهب ، وقول الجمهور : أنه كالراكد . وإن كان قليلا ينجس . وإن كان كثيرا فلا . وقال : هو طاهر مطلقا ، وفي القديم : لا ينجس الجاري إلا بالتغير . الغزالي
قلت : واختار جماعة الطهارة ، منهم ، وصاحب ( التهذيب ) . والله أعلم . إمام الحرمين
وأما النجاسة الجامدة ، كالميتة ، فإن غيرت الماء ، نجسته ، وإن لم تغيره ، فتارة تقف ، وتارة تجري مع الماء ، فإن جرت جرية ، فما قبلها وما بعدها طاهران . وما على يمينها وشمالها وفوقها وتحتها ، إن كان قليلا ، فنجس ، وإن كان قلتين ، فقيل : طاهر ، وقيل : على قولي التباعد .
وإن وقفت النجاسة ، وجرى الماء عليها ، فحكمه حكم الجارية ، ويزيد هاهنا أن الجاري على النجاسة وهو قليل ، ينجس بملاقاتها ، ولا يجوز استعماله [ ص: 27 ] إلا أن يجتمع في موضع قلتان منه ، وفيه وجه أنه إذا تباعد واغترف من موضع بينه وبين النجاسة قلتان ، جاز استعماله ، والصحيح الأول . وعليه يقال : ماء هو ألف قلة ، نجس بلا تغير ، فهذه صورته .
أما النهر العظيم ، فلا يجتنب فيه شيء ، ولا حريم النجاسة ، ولا يجيء فيه الخلاف في التباعد عما حوالي النجاسة . وفيه وجه شاذ أنه يجزئ ، ووجه أنه يجب اجتناب الحريم خاصة ، وبه قطع ، وطرده في حريم الراكد أيضا . الغزالي
والمذهب : القطع بأنه لا يجب اجتناب الحريم في الجاري ، ولا في الراكد . ثم العظيم : ما أمكن التباعد فيه عن جوانب النجاسة كلها بقلتين . والمعتدل : ما لا يمكن ذلك فيه . ومن المعتدل : النهر الذي بين حافتيه قلتان فقط .
وقال : المعتدل : ما يمكن تغيره بالنجاسات المعتادة . والعظيم : ما لا يمكن تغيره بها . وأما الحريم : فما ينسب إلى النجاسة بتحريكه إياها ، وانعطافه عليها ، والتفافه بها . إمام الحرمين
قلت : غير الماء من المائعات ينجس بملاقاة النجاسة وإن كثر . وإنما لا ينجس الماء لقوته . ولو توضأ من بئر ، ثم أخرج منها دجاجة منتفخة ، لم يلزمه أن يعيد من صلاته إلا ما تيقن أنه صلاها بالماء النجس . ذكره صاحب ( العدة ) . والله أعلم .