الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
ولو نذر نذرا مطلقا فعليه الوفاء به ، وكذلك إن علقه بشرط فوجد وعن أبي حنيفة رحمه الله آخرا : أنه يجزئه - كفارة يمين إذا كان شرطا لا يريد وجوده ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4171_4181نذر ذبح ولده أو نحره لزمه ذبح شاة .
النذر قربة مشروعة ، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصوم والصلاة والحج والعتق والصدقة ونحوها . وأما شرعيته فللأوامر الواردة بإيفائه ، قال تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وليوفوا نذورهم ) وقال صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346816ف بنذرك " وقال عليه الصلاة والسلام : " من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى " ، [ ص: 328 ] وقال عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346818من نذر أن يطيع الله فليطعه " إلى غيرها من النصوص ، وعلى شرعيته الإجماع ، ولا يصح إلا بقربة لله تعالى من جنسها واجب كالقرب المذكورة ، ولا يصح بما ليس لله تعالى من جنسها واجب كالتسبيح والتحميد وعيادة المرضى وتكفين الميت وتشييع الجنازة وبناء المساجد ونحوها . والأصل فيه أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى ، إذ لا ولاية له على الإيجاب ابتداء ، وإنما صححنا إيجابه في مثل ما أوجبه الله تعالى تحصيلا للمصلحة المتعلقة بالنذر ، ولا يصح النذر بمعصية . قال صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346819لا نذر في معصية الله تعالى " .
قال : ( ولو نذر نذرا مطلقا ) أي بغير شرط ولا تعليق كقوله : nindex.php?page=treesubj&link=4186_4199_4192علي صوم شهر أو نحوه ( فعليه الوفاء به ) لما تقدم ( وكذلك إن علقه بشرط فوجد ) لأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده ، ولأن النذر موجود نظرا إلى الجزاء ، والجزاء هو الأصل والشرط تبع ، واعتبار الأصل أولى فصار كالمنجز .
( وعن أبي حنيفة رحمه الله آخرا : أنه يجزئه كفارة يمين إذا كان شرطا لا يريد وجوده ) كقوله : nindex.php?page=treesubj&link=4201_4192إن كلمت فلانا أو دخلت الدار فعلي صوم سنة أو صدقة ما أملكه ، وهو قول محمد رحمه الله ، واختاره بعض المشايخ للبلوى والضرورة ، ولو أدى ما التزمه يخرج عن العهدة أيضا لأن فيه معنى اليمين وهو المنع ، وهو نذر لفظا فيختار أي الجهتين شاء; ولو كان شرطا يريد وجوده كقوله : إن شفى الله مريضي أو قضى ديني أو قدمت من سفري لا يجزيه إلا الوفاء بما سمى لأنه نذر بصيغته وليس فيه معنى اليمين .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=4201_4192_4177قال : إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة ففعل وليس في ملكه إلا مائة درهم لا يلزمه غيرها ، لأن nindex.php?page=treesubj&link=4177_4192النذر بما لا يملك لا يصح; ولو nindex.php?page=treesubj&link=27224_4192نذر صوم الأبد فضعف لاشتغاله بالمعيشة أفطر لئلا تختل فرائضه ويفدي كالشيخ الفاني في شهر رمضان; ولو nindex.php?page=treesubj&link=27224_4192نذر عددا من الحج يعلم أنه [ ص: 329 ] لا يمكنه ; لا يأمر غيره بالحج عنه لأنه لا يعرف قدر الفائت ، بخلاف الصوم .
قال أبو حنيفة رضي الله عنه : لو nindex.php?page=treesubj&link=4192قال لله علي إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين لا يجزئه إلا ما يجزئ في كفارة اليمين لما تقدم أنه معتبر بإيجاب الله تعالى; وقوله : لله علي طعام مساكين ، كقوله إطعام ، لأن الطعام اسم عين وإنما يصح إيجاب الفعل . وقال أبو يوسف : لو قال : لله علي طعام أطعم إن شاء ولو لقمة .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=4190_4192قال : علي نذر ونوى الصوم أو الصدقة دون العدد لزمه في الصوم ثلاثة أيام ، وفي الصدقة إطعام عشرة مساكين اعتبارا بالواجب في كفارة اليمين إذ هو الأقل فكان متيقنا; ولو nindex.php?page=treesubj&link=4181_4192_4221نذرت صوم أيام حيضها أو قال : لله علي أن أصوم غدا فحاضت فهو باطل عند محمد وزفر رحمهما الله ، لأنها أضافت الصوم إلى وقت لا يتصور فيه . وقال أبو يوسف رحمه الله : يقضي في المسألة الثانية ، لأن الإيجاب صدر صحيحا في حال لا ينافي الصوم ولا إضافته إلى زمان ينافيه ، إذ الصوم متصور فيه والعجز بعارض محتمل كالمرض فتقضيه وصار كما إذا nindex.php?page=treesubj&link=4188_2532_2527نذرت صوم شهر يلزمها قضاء أيام حيضها لأنه لا يجوز خلو الشهر عن الحيض فصح الإيجاب .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=4192_4218_4203_2532_4225نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلا لا شيء عليه ، وكذا لو قدم بعد الزوال أو قبله وقد أكل عند محمد ، لأن المعلق بالشرط كالمتكلم به عند وجوده . وقال أبو يوسف : يقضي في الفصلين الآخرين كما إذا nindex.php?page=treesubj&link=4192_4218_4203_2532_4221نذرت صوم غد فحاضت ; ولو قدم في رمضان أو في يوم الفطر قضاه ولا يجزئه صومه ، لأن الإيجاب خرج صحيحا .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=4212_4192_4188_4199نذر صلاة ركعة أو صوم نصف يوم صلى ركعتين وصام يوما ، لأن الركعة صلاة وقربة في الجملة لاشتمالها على ذكر الله تعالى ، والقراءة وغيرها كالوتر عند بعضهم ، وصوم نصف يوم قربة كإمساك غداة الأضحى فصح التزامه ثم يلزمه حفظه وإتمامه ضرورة عدم التجزي شرعا ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=4199_4204نذر ثلاث ركعات لزمه أربع عند أبي يوسف وركعتان عند زفر ; ولو nindex.php?page=treesubj&link=4192_4182نذر أن يصلي بغير وضوء فليس بشيء . وعن أبي يوسف يلزمه بوضوء لأن إيجاب أصل الصلاة صحيح وذكر الوصف باطل .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=4180_4192نذر أن يصلي بغير قراءة أو عريانا صح خلافا لزفر ولزمته بقراءة مستورا ، لأن الصلاة كما ذكر قربة في الجملة كالأمي ومن لا يقدر على ثوب فصح الإيجاب .
قال : ( ولو nindex.php?page=treesubj&link=4181_4192نذر ذبح ولده أو نحره لزمه ذبح شاة ) عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ، [ ص: 330 ] وكذا النذر بذبح نفسه أو عبده عند محمد ; وفي الوالد والوالدة عن أبي حنيفة روايتان الأصح عدم الصحة . وقال أبو يوسف وزفر . لا يصح شيء من ذلك لأنه معصية فلا يصح . ولهما في الولد مذهب جماعة من الصحابة كعلي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم ، ومثله لا يعرف قياسا فيكون سماعا ، ولأن إيجاب ذبح الولد عبارة عن إيجاب ذبح الشاة ، حتى لو نذر ذبحه بمكة يجب عليه ذبح الشاة بالحرم . بيانه قصة الذبيح عليه السلام ، فإن الله تعالى أوجب على الخليل عليه السلام ذبح ولده بقوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=102افعل ما تؤمر ) وأمره بذبح الشاة حيث قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=105قد صدقت الرؤيا ) فيكون كذلك في شريعتنا ، إما لقوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) أو لأن شريعة من قبلنا تلزمنا حتى يثبت النسخ ، وله نظائر : منها إيجاب الشيء إلى بيت الله تعالى عبارة عن حج أو عمرة ، وإيجاب الهدي عبارة عن إيجاب شاة ومثله كثير ، وإذا كان نذر ذبح الولد عبارة عن ذبح شاة لا يكون معصية بل قربة حتى قال الأسبيجابي وغيره من المشايخ : إن أراد عين الذبح وعرف أنه معصية لا يصح ونظيره الصوم في حق الشيخ الفاني معصية لإفضائه إلى إهلاكه ، ويصح نذره بالصوم وعليه الفدية ، وجعل ذلك التزاما للفدية كذا هذا . ولمحمد في النفس والعبد أن ولايته عليهما فوق ولايته على ولده فكان أولى بالجواز .
ولأبي حنيفة أن وجوب الشاة على خلاف القياس عرفناه استدلالا بقصة الخليل عليه السلام ، وإنما وردت في الولد فيقتصر عليه ، ولو نذر بلفظ القتل لا يلزمه شيء بالإجماع ، لأن النص ورد بلفظ الذبح والنحر مثله ، ولا كذلك القتل ، ولأن الذبح والنحر وردا في القرآن على وجه القربة والتعبد ، والقتل لم يرد إلا على وجه العقوبة والانتقام والنهي ، ولأنه لو nindex.php?page=treesubj&link=4181_4196_4192نذر ذبح الشاة بلفظ القتل لا يصح فهذا أولى ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .