nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170nindex.php?page=treesubj&link=28974_25561فرحين بما آتاهم الله من فضله أي مسرورين بما أعطاهم الله من فضله أي زيادة على ذلك الرزق الذي استحقوه بعملهم ، فالفضل ما كان في غير مقابلة عمل ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=30ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور [ 35 : 30 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الاستبشار : السرور الحاصل بالبشارة ، وأصل الاستفعال طلب الفعل ، فالمستبشرون بمنزلة من طلب السرور فوجده بالبشارة كذا قالوا ، والعبارة
للرازي ويصح أن يكون معنى الطلب فيه على حاله ، والذين لم يلحقوا بهم هم الذين بقوا في الدنيا
[ ص: 193 ] قال الأستاذ الإمام : إنما قال " من خلفهم " للدلالة على أنهم وراءهم يقتفون أثرهم ويحذون حذوهم قدما بقدم ، فهو قيد فيه الخبر والحث والترغيب والمدح والبشارة وهو من البلاغة بالمكان الذي لا يطاول ، والمعنى على الأول : ويطلبون البشرى بالذين لم يلحقوا بهم من إخوانهم أي يتوقعون أن يبشروا في وقت قريب بقدومهم عليهم مقتولين في سبيل الله كما قتلوا ، مستحقين من الرزق والفضل الإلهي مثل ما أوتوا ، والمعنى على الثاني : أنهم يسرون بذلك عند حصوله .
هذا ما روي في وجه الاستبشار عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وقتادة وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن الشهيد يؤتى بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه يبشر بذلك فيسر ويستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه عليهم في الدنيا . واختار
أبو مسلم nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج أن الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم : هم إخوانهم الذين لا يحصلون فضيلة الشهادة فلا ينالون مثل درجتهم ، وأن استبشارهم بهم يكون عند دخولهم الجنة بعد القيامة قبلهم فيرون منازلهم فيها ويعلمون أنهم من أهلها وإن فاتتهم درجة الشهادة ، ولا سيما إذا كان المراد بالذين من خلفهم من جاهد مثلهم ولم يقتل
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما [ 4 : 95 ، 96 ] والآية الآتية تؤيد كون المراد بمن خلفهم بقية المجاهدين الذين لم يقتلوا .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون بدل اشتمال من الذين لم يلحقوا بهم أي يستبشرون بهم من حيث إنه لا خوف عليهم ، فالخوف والحزن على هذا منفيان عن الذين لم يلحقوا بهم . أو الباء للسببية والمعنى بسبب أنه لا خوف عليهم إلخ . وحينئذ يحتمل أن يكونا منفيين عنهم أنفسهم ، أي إن الفرح والاستبشار يكونان شاملين لهم بحالهم وبحال من خلفهم من إخوانهم بسبب انتفاء الخوف والحزن عنهم وهم حيث هم . كما يحتمل أن يكون المراد نفيهما عن الذين لم يلحقوا بهم أيضا ، والمختار عندي أن المراد بنفي الخوف والحزن نفيهما عن الذين لم يلحقوا بهم ممن قاتل معهم ولم يقتل ، وأن الآية الآتية مفسرة لذلك . والخوف : تألم من مكروه يتوقع ، والحزن : تألم من مكروه وقع ، وتقدم تفسير هذا التركيب في الجزء الأول راجع تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=62إن الذين آمنوا والذين هادوا [ 2 : 62 ] وقد قيل إن المراد بالخوف والحزن : ما يكون في الدنيا ، وقيل : بل المراد ما يكون في الآخرة . ويجوز أن يكون المعنى أنه لا خوف عليهم في الدنيا من استئصال المشركين لهم أو ظفرهم بهم ثانية ولا هم يحزنون في المستقبل البعيد عندما يقدمون على ربهم في الآخرة ، فاعرض هذا على الآيات الآتية إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=175فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171يستبشرون بنعمة من الله ضمير يستبشرون إما للشهداء وإما للذين لم يلحقوا بهم ،
[ ص: 194 ] فإن كان للشهداء فهو عما يتجدد لهم من نعمة وفضل ، أو المراد بقوله بنعمة ما ذكره في الآية السابقة من كونهم أحياء عنده يرزقون وفضل هو عين ما ذكره في الآية السابقة من كونهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فرحين بما آتاهم الله من فضله وإن كان للذين لم يلحقوا بهم فالمعنى أنهم يستبشرون بمثل ما فرح به الشهداء
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي " وإن " بكسر الهمزة على أنه تذييل ، أو معترض لتأييد معنى ما قبله ، والمؤمنون هنا عام أريد به خصوص الذين وصفهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172nindex.php?page=treesubj&link=28974_32496الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح وهم إخوان أولئك الشهداء الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم فدعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اتباع
أبي سفيان في
حمراء الأسد فاستجابوا لله وله من بعد ما أصابهم القرح في أحد حتى أنهك قواهم وتقدم بيان ذلك مفصلا في أول السياق ( راجع غزوة حمراء الأسد ص 88 ج 4 ط . الهيئة المصرية العامة للكتاب ) وقيل : هو على عمومه ، وقيل : إن المراد به الشهداء والجملة على هذين القولين ابتدائية ومدحية .
وقال الأستاذ الإمام : ذكر في الآية السابقة استبشارهم بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله ثم ذكر هنا أنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل . فالذي آتاهم من فضله مجمل تفصيله ما بعده وهو قسمان : فضل عليهم في إخوانهم الذين وراءهم ، وفضل عليهم في أنفسهم وهو نعمة الله عليهم ، وفضله الخاص بهم في دار الكرامة ، وقد أبهمه فلم يعينه للدلالة على عظمه وعلى كونه غيبا لا يكتنه كنهه في هذه الدار ، ثم اختتم الكلام بفضله على إخوانهم كما افتتحه به ، وترك العطف لتنزيل الاستبشار الثاني منزلة الاستبشار الأول حتى كأنه هو اهـ . ليس عندي في ذلك عنه غير هذا .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم جملة ابتدائية على الوجه الأول ، وخبرية على الوجهين الآخرين مما تقدم . وقد يقال : إن أولئك الذين استجابوا لله ولرسوله في تلك الحالة هم خيار المؤمنين ، وكلهم من المحسنين المتقين ، فما معنى قوله " منهم " ؟ وأجابوا عن ذلك بأن " من " هنا للتبيين لا للتبعيض ، وأن الوصف بالإحسان والتقوى للمدح والتعليل لا للتقييد ، واختار الأستاذ الإمام قول من قال إن " من " للتبعيض وقال هي في محلها ; لأن من المؤمنين الصادقين من لم يخرج معه - صلى الله عليه وسلم - إلى "
حمراء الأسد " أي وهم من الذين لا يضيع الله أجرهم ، ولكنهم لا يستحقون الأجر العظيم الذي استحقه الذين خرجوا معه وهم مثقلون بالجراح ومرهقون من الإعياء إلى استئناف قتال أضعافهم من الأقوياء .
أقول : فالضمير في قوله " منهم " راجع على هذا القول للمؤمنين لا للذين استجابوا ،
[ ص: 195 ] وهو لا يظهر إلا إذا جعلنا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172الذين استجابوا منصوبا على المدح ، والجملة المدحية معترضة - قال الأستاذ : وثم وجه آخر وهو أنه وجد في نفوس بعض المؤمنين بعد أحد شيء من الضعف ، فهذه الآيات كلها تأديب لهم ، ولما دعاهم - صلى الله عليه وسلم - للخروج لبوا واستجابوا له ظاهرا وباطنا ، ولكن عرض لبعضهم عند الخروج بالفعل موانع في أنفسهم أو أهليهم فلم يخرجوا ، فأراد من الذين أحسنوا واتقوا : الذين خرجوا بالفعل وهم بعض الذين استجابوا . والإحسان : أن يعمل الإنسان العمل على أكمل وجوهه الممكنة . والتقوى أن يتقي الإساءة والتقصير فيه .
أقول : وهذا الوجه أظهر الوجوه وأحسنها .
ومما أشار إليه الأستاذ ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق أنه لما أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطلب العدو "
وألا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس " كلمه nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله بن حرام فقال " يا رسول الله إن أبى كان خلفني على أخوات لي سبع وقال : يا بني لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسي فتخلف على أخواتك . فتخلف عليهن ، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . فليعتبر المسلمون بهذه الآيات التي وردت في أولئك الأبرار الأخيار الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وكيف جاء وعدهم بالأجر مقرونا بوصف الإحسان والتقوى ، وأنى يعتبر المغرورون المسيئون الذين هم عن صلاتهم ساهون والذين هم للزكاة مانعون ، والذين يبخلون بأنفسهم فلا يبذلونها في سبيل الحق ولا يتعبون ، والذين يقولون الكذب وهم يعملون ، والذين يتولون المبطلين وينصرون ، ويشاقون أهل الحق ويخذلون ، ويحسبون أنهم على شيء ! ألا إنهم هم الكاذبون ، والله يعلم ما يسرون وما يعلنون .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170nindex.php?page=treesubj&link=28974_25561فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ مَسْرُورِينَ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ الرِّزْقِ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ بِعَمَلِهِمْ ، فَالْفَضْلُ مَا كَانَ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ عَمَلٍ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=30لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [ 35 : 30 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ الِاسْتِبْشَارُ : السُّرُورُ الْحَاصِلُ بِالْبِشَارَةِ ، وَأَصْلُ الِاسْتِفْعَالِ طَلَبُ الْفِعْلِ ، فَالْمُسْتَبْشِرُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَبَ السُّرُورَ فَوَجَدَهُ بِالْبِشَارَةِ كَذَا قَالُوا ، وَالْعِبَارَةُ
لِلرَّازِيِّ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الطَّلَبِ فِيهِ عَلَى حَالِهِ ، وَالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ هُمُ الَّذِينَ بَقُوا فِي الدُّنْيَا
[ ص: 193 ] قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّمَا قَالَ " مِنْ خَلْفِهِمْ " لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ وَرَاءَهُمْ يَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ وَيَحْذُونَ حَذْوَهُمْ قَدَمًا بِقَدَمٍ ، فَهُوَ قَيْدٌ فِيهِ الْخَبَرُ وَالْحَثُّ وَالتَّرْغِيبُ وَالْمَدْحُ وَالْبِشَارَةُ وَهُوَ مِنَ الْبَلَاغَةِ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا يُطَاوَلُ ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ : وَيَطْلُبُونَ الْبُشْرَى بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ أَيْ يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يُبَشَّرُوا فِي وَقْتٍ قَرِيبٍ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِمْ مَقْتُولِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قُتِلُوا ، مُسْتَحِقِّينَ مِنَ الرِّزْقِ وَالْفَضْلِ الْإِلَهِيِّ مِثْلَ مَا أُوتُوا ، وَالْمَعْنَى عَلَى الثَّانِي : أَنَّهُمْ يُسَرُّونَ بِذَلِكَ عِنْدَ حُصُولِهِ .
هَذَا مَا رُوِيَ فِي وَجْهِ الِاسْتِبْشَارِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَتَادَةَ وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّ الشَّهِيدَ يُؤْتَى بِكِتَابٍ فِيهِ ذِكْرُ مَنْ يَقْدُمُ عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَانِهِ يُبَشَّرُ بِذَلِكَ فَيُسَرُّ وَيَسْتَبْشِرُ كَمَا يَسْتَبْشِرُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِقُدُومِهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا . وَاخْتَارَ
أَبُو مُسْلِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجُ أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ : هُمْ إِخْوَانُهُمُ الَّذِينَ لَا يُحَصِّلُونَ فَضِيلَةَ الشَّهَادَةِ فَلَا يَنَالُونَ مِثْلَ دَرَجَتِهِمْ ، وَأَنَّ اسْتِبْشَارَهُمْ بِهِمْ يَكُونُ عِنْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْقِيَامَةِ قَبْلَهُمْ فَيَرَوْنَ مَنَازِلَهُمْ فِيهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنْ فَاتَتْهُمْ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالَّذِينَ مِنْ خَلْفِهِمْ مَنْ جَاهَدَ مِثْلَهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ 4 : 95 ، 96 ] وَالْآيَةُ الْآتِيَةُ تُؤَيِّدُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِمَنْ خَلْفَهُمْ بَقِيَّةَ الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ لَمْ يُقْتَلُوا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ أَيْ يَسْتَبْشِرُونَ بِهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ، فَالْخَوْفُ وَالْحُزْنُ عَلَى هَذَا مَنْفِيَّانِ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ . أَوِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْمَعْنَى بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ إِلَخْ . وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مَنْفِيَّيْنِ عَنْهُمْ أَنْفُسِهِمْ ، أَيْ إِنَّ الْفَرَحَ وَالِاسْتِبْشَارَ يَكُونَانِ شَامِلَيْنِ لَهُمْ بِحَالِهِمْ وَبِحَالِ مَنْ خَلْفَهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ عَنْهُمْ وَهُمْ حَيْثُ هُمْ . كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَهُمَا عَنِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحِقُوا بِهِمْ أَيْضًا ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ نَفْيُهُمَا عَنِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِمَّنْ قَاتَلَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ ، وَأَنَّ الْآيَةَ الْآتِيَةَ مُفَسِّرَةٌ لِذَلِكَ . وَالْخَوْفُ : تَأَلُّمٌ مِنْ مَكْرُوهٍ يُتَوَقَّعُ ، وَالْحُزْنُ : تَأَلُّمٌ مِنْ مَكْرُوهٍ وَقَعَ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ رَاجِعْ تَفْسِيرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=62إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا [ 2 : 62 ] وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ : مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ، وَقِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ مَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنِ اسْتِئْصَالِ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ أَوْ ظَفَرِهِمْ بِهِمْ ثَانِيَةً وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْبَعِيدِ عِنْدَمَا يَقْدُمُونَ عَلَى رَبِّهِمْ فِي الْآخِرَةِ ، فَاعْرِضْ هَذَا عَلَى الْآيَاتِ الْآتِيَةِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=175فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ضَمِيرُ يَسْتَبْشِرُونَ إِمَّا لِلشُّهَدَاءِ وَإِمَّا لِلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ ،
[ ص: 194 ] فَإِنْ كَانَ لِلشُّهَدَاءِ فَهُوَ عَمَّا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ وَفَضْلٍ ، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِنِعْمَةٍ مَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ أَحْيَاءً عِنْدَهُ يُرْزَقُونَ وَفَضْلٍ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=170فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَإِنْ كَانَ لِلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِمِثْلِ مَا فَرِحَ بِهِ الشُّهَدَاءُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=171وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ " وَإِنَّ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ تَذْيِيلٌ ، أَوْ مُعْتَرِضٌ لِتَأْيِيدِ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ ، وَالْمُؤْمِنُونَ هُنَا عَامٌّ أُرِيدُ بِهِ خُصُوصُ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172nindex.php?page=treesubj&link=28974_32496الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ وَهُمْ إِخْوَانُ أُولَئِكَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ فَدَعَاهُمُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى اتِّبَاعِ
أَبِي سُفْيَانَ فِي
حَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلَهُ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ فِي أُحُدٍ حَتَّى أَنْهَكَ قُوَاهُمْ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي أَوَّلِ السِّيَاقِ ( رَاجِعْ غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ص 88 ج 4 ط . الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ ) وَقِيلَ : هُوَ عَلَى عُمُومِهِ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشُّهَدَاءُ وَالْجُمْلَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَمَدْحِيَّةٌ .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : ذَكَرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ اسْتِبْشَارَهُمْ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَأَنَّهُمْ فَرِحُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ . فَالَّذِي آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ مُجْمَلٌ تَفْصِيلُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قِسْمَانِ : فَضْلٌ عَلَيْهِمْ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ وَرَاءَهُمْ ، وَفَضْلٌ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَفَضْلُهُ الْخَاصُّ بِهِمْ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ ، وَقَدْ أَبْهَمَهُ فَلَمْ يُعَيِّنْهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِهِ وَعَلَى كَوْنِهِ غَيْبًا لَا يُكْتَنَهُ كُنْهُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، ثُمَّ اخْتَتَمَ الْكَلَامَ بِفَضْلِهِ عَلَى إِخْوَانِهِمْ كَمَا افْتَتَحَهُ بِهِ ، وَتَرَكَ الْعَطْفَ لِتَنْزِيلِ الِاسْتِبْشَارِ الثَّانِي مَنْزِلَةَ الِاسْتِبْشَارِ الْأَوَّلِ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ اهـ . لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَخَبَرِيَّةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِمَّا تَقَدَّمَ . وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ هُمْ خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَكُلُّهُمْ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الْمُتَّقِينَ ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ " مِنْهُمْ " ؟ وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ " مِنْ " هُنَا لِلتَّبْيِينِ لَا لِلتَّبْعِيضِ ، وَأَنَّ الْوَصْفَ بِالْإِحْسَانِ وَالتَّقْوَى لِلْمَدْحِ وَالتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّقْيِيدِ ، وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ وَقَالَ هِيَ فِي مَحَلِّهَا ; لِأَنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى "
حَمْرَاءِ الْأَسَدِ " أَيْ وَهُمْ مِنَ الَّذِينَ لَا يُضَيِّعُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ وَهُمْ مُثْقَلُونَ بِالْجِرَاحِ وَمُرْهَقُونَ مِنَ الْإِعْيَاءِ إِلَى اسْتِئْنَافِ قِتَالِ أَضْعَافِهِمْ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ .
أَقُولُ : فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " مِنْهُمْ " رَاجِعٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا ،
[ ص: 195 ] وَهُوَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا إِذَا جَعَلْنَا قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172الَّذِينَ اسْتَجَابُوا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْحِ ، وَالْجُمْلَةُ الْمَدْحِيَّةُ مُعْتَرِضَةٌ - قَالَ الْأُسْتَاذُ : وَثَمَّ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي نُفُوسِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أُحُدٍ شَيْءٌ مِنَ الضَّعْفِ ، فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا تَأْدِيبٌ لَهُمْ ، وَلَمَّا دَعَاهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْخُرُوجِ لَبَّوْا وَاسْتَجَابُوا لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَلَكِنْ عَرَضَ لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ الْخُرُوجِ بِالْفِعْلِ مَوَانِعُ فِي أَنْفُسِهِمْ أَوْ أَهْلِيهِمْ فَلَمْ يَخْرُجُوا ، فَأَرَادَ مَنِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا وَاتَّقَوْا : الَّذِينَ خَرَجُوا بِالْفِعْلِ وَهُمْ بَعْضُ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا . وَالْإِحْسَانُ : أَنْ يَعْمَلَ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ الْمُمْكِنَةِ . وَالتَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ الْإِسَاءَةَ وَالتَّقْصِيرَ فِيهِ .
أَقُولُ : وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ الْوُجُوهِ وَأَحْسَنُهَا .
وَمِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ الْأُسْتَاذُ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَلَبِ الْعَدُوِّ "
وَأَلَّا يَخْرُجَ مَعَنَا إِلَّا مِنْ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ " كَلَّمَهُ nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَامٍ فَقَالَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَى كَانَ خَلَّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ : يَا بُنَيَّ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَكَ أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ ، وَلَسْتُ بِالَّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِي فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتِكَ . فَتَخَلَّفَ عَلَيْهِنَّ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " . فَلْيَعْتَبِرِ الْمُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي أُولَئِكَ الْأَبْرَارِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ بَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكَيْفَ جَاءَ وَعْدُهُمْ بِالْأَجْرِ مَقْرُونًا بِوَصْفِ الْإِحْسَانِ وَالتَّقْوَى ، وَأَنَّى يَعْتَبِرُ الْمَغْرُورُونَ الْمُسِيئُونَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ مَانِعُونَ ، وَالَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يَبْذُلُونَهَا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَلَا يَتْعَبُونَ ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ ، وَالَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْمُبْطِلِينَ وَيَنْصُرُونَ ، وَيُشَاقُّونَ أَهْلَ الْحَقِّ وَيَخْذُلُونَ ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ ! أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ .