قوله تعالى : وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، الحق في لغة العرب : الثابت الذي ليس بزائل ولا مضمحل ، والباطل : هو الذاهب المضمحل . والمراد بالحق في هذه الآية : هو ما في هذا القرآن العظيم والسنة النبوية من دين الإسلام ، والمراد بالباطل فيها : الشرك بالله ، والمعاصي المخالفة لدين الإسلام .
وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن ، وأن الإسلام جاء ثابتا راسخا ; أي ذهب واضمحل وزال . تقول العرب : زهقت نفسه : إذا خرجت وزالت من جسده . الشرك بالله زهق
ثم بين جل وعلا أن الباطل كان زهوقا ، أي مضمحلا غير ثابت في كل وقت ، وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع ، وذكر أن الحق يزيل الباطل ويذهبه ; كقوله : قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد [ 34 \ 48 ، 49 ] ، وقوله : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .
وقال صاحب الدر المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة : أخرج ، ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم ، والترمذي ، والنسائي وابن جرير وابن المنذر ، وابن مردويه عن رضي الله عنه قال : ابن مسعود مكة ، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [ 17 \ 81 ] ، دخل النبي صلى الله عليه وسلم جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد [ 34 \ 49 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال : مكة ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها ، وقال : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [ 17 \ 81 ] . دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخرج في الصغير ، الطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن رضي الله عنهما قال : ابن عباس مكة يوم الفتح ، وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص ; فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [ 17 \ 81 ] ، [ ص: 181 ] حتى مر عليها كلها . دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية : وفي هذه الآية دليل على إذا غلب عليهم ، ويدخل بالمعنى كسر آلة الباطل كله وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله . كسر نصب المشركين وجميع الأوثان
قال ابن المنذر : وفي معنى الأصنام : الصور المتخذة من المدر والخشب وشبهها ، وكل ما يتخذه الناس مما لا منفعة فيه إلا اللهو المنهي عنه ، ولا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي تكون من الذهب والفضة والحديد والرصاص إذا غيرت عما هي عليه وصارت نقرا أو قطعا فيجوز بيعها والشراء بها . قال المهلب : وما كسر من آلات الباطل وكان في حبسها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة ، إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال ، وقد تقدم حرق رضي الله عنه . وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلاة الجماعة ، وهذا أصل في العقوبة في المال ، مع ابن عمر ، فأزال ملكها عنها تأديبا لصاحبتها ، وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به ، وقد أراق قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة التي لعنتها صاحبتها " دعوها فإنها ملعونة " رضي الله عنه لبنا شيب بماء على صاحبه . اهـ الغرض من كلام عمر بن الخطاب القرطبي رحمه الله تعالى . .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " عيسى بن مريم حكما عدلا فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير " الحديث ، من قبيل ما ذكرنا دلالة الآية عليه ، والعلم عند الله تعالى . والله لينزلن