قال رحمه الله في صحيحه : حدثنا البخاري ، حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد هو ابن زيد أيوب ، عن ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنهما قال : ابن عباس يثرب ، [ ص: 391 ] فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا ما بين الركنين ، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم . ثم قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه فقال المشركون : إنه يقدم عليكم وقد وهنتهم حمى رحمه الله : حدثنا البخاري ، أخبرني أصبغ بن الفرج ابن وهب ، عن يونس ، عن ، عن ابن شهاب سالم ، عن أبيه رضي الله عنه قال : مكة إذا استلم الركن الأسود ، أول ما يطوف يخب ثلاثة أطواف من السبع . ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم رحمه الله : حدثني البخاري محمد ، حدثنا ، حدثنا سريج بن النعمان فليح ، عن نافع ، عن رضي الله عنهما ، قال : ابن عمر ، تابعه سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشواط ، ومشى أربعة في الحج والعمرة الليث . قال : حدثني كثير بن فرقد ، عن نافع ، عن رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ابن عمر
حدثنا ، أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرني محمد بن جعفر : أن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال للركن : أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك ، فاستلمه ، ثم قال : فما لنا وللرمل إنما كنا رأينا المشركين ، وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا نحب أن نتركه . انتهى منه ، وفي حديث عمر بن الخطاب جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، عند مسلم : ، الحديث . وفي صحيح حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا من حديث البخاري رضي الله عنهما بلفظ : ابن عمر وفي لفظ عند " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول ، يخب ثلاثة أطواف ، ويمشي أربعة ، وأنه كان يسعى بطن المسيل ، إذا طاف بين الصفا والمروة " ، البخاري ومسلم عن رضي الله عنهما . ابن عمر زاد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف الطواف الأول ، خب ثلاثا ومشى أربعا ، وكان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة " مسلم : وكان يفعل ذلك . ابن عمر
وبهذه النصوص الصحيحة يتبين أن الرمل في الأشواط الثلاثة في طواف العمرة وطواف القدوم مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى ذلك عامة أهل العلم إلا من شذ ، وإن ترك الرمل في الأشواط الأول لم يقضه في الأشواط الأخيرة على الصواب . ولا يلزم بتركه دم على الأظهر لعدم الدليل ، خلافا لمن أوجب فيه الدم .
تنبيهان
الأول : إن قيل ما ، والغالب اطراد العلة وانعكاسها ، بحيث يدور معها المعلل بها ، وجودا وعدما ؟ الحكمة في الرمل بعد زوال علته التي شرع من أجلها
[ ص: 392 ] فالجواب : أن بقاء حكم الرمل مع زوال علته ، لا ينافي أن لبقائه علة أخرى ، وهي أن يتذكر به المسلمون نعمة الله عليهم حيث كثرهم وقواهم بعد القلة والضعف ، كما قال تعالى : واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره الآية [ 8 \ 26 ] وقال تعالى عن نبيه شعيب : واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم الآية [ 7 \ 86 ] .
وصيغة الأمر في قوله : اذكروا في الآيتين المذكورتين تدل على تحتم ذكر النعمة بذلك ، وإذا فلا مانع من كون الحكمة في بقاء حكم الرمل ، هي تذكر نعمة الله بالقوة بعد الضعف . والكثرة بعد القلة ، وقد أشار إلى هذا ابن حجر في الفتح ، ومما يؤيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع بعد زوال العلة المذكورة ، فلم يمكن بعد ذلك تركه لزوالها ، والعلم عند الله تعالى .
التنبيه الثاني : اعلم أن الروايات الثابتة في الصحيح في الرمل ظاهرها الاختلاف ; لأن في بعضها أن الرمل ليس في الشوط كله بل ما بين الركنين اليمانيين لا رمل فيه ، وقد قدمنا في حديث عند ابن عباس ما لفظه : البخاري . ولفظه عند فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا ما بين الركنين ، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم مسلم ، عن رضي الله عنهما ، قال : ابن عباس مكة ، وقد وهنتهم حمى يثرب . قال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ولقوا منها شدة ، فجلسوا مما يلي الحجر ، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ، هؤلاء أجلد من كذا وكذا . قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه
قال : ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم . فحديث ابن عباس هذا الذي أخرجه الشيخان : فيه التصريح بأنهم لم يرملوا فيما بين الركنين ، وقد بين ابن عباس علة ذلك وهي قوله : فجلسوا مما يلي الحجر ، يعني : أن المشركين جلسوا في جهة البيت الشمالية مما يلي الحجر بكسر الحاء ، وإذا فالذي بين ابن عباس الركنين اليمانيين لا يرونه لأن الكعبة تحول بينهم وبينه ، وإذا كانوا لا يرونهم مشوا فإذا ظهروا لهم عند ركن الحجر رملوا ، مع أن في بعض الروايات الثابتة في الصحيح : . أنه صلى الله عليه وسلم رمل الأشواط الثلاثة كلها ، من الحجر إلى الحجر
ففي صحيح مسلم من حديث رضي الله عنهما ما لفظه : قال : ابن عمر وفي لفظ في صحيح " رمل [ ص: 393 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ، ومشى أربعا " مسلم أيضا ، عن نافع : أن رمل من الحجر إلى الحجر ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله . وفي لفظ عند ابن عمر مسلم أيضا من حديث رضي الله عنهما ، أنه قال : جابر بن عبد الله ، وفيه عن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود ، حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف جابر أيضا بلفظ : . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر
والجواب عن هذا الذي ذكرنا من اختلاف الروايات : أن حديث الذي فيه أنهم مشوا ما بين الركنين كان في عمرة القضاء في ذي القعدة عام سبع ، وما في الروايات الأخرى من الرمل في كل شوط من الحجر إلى الحجر في حجة الوداع ، كما أجاب بهذا غير واحد . ابن عباس
وقال النووي في شرح مسلم : إن رمله صلى الله عليه وسلم في كل الشوط من الحجر إلى الحجر في حجة الوداع ناسخ للمشي بين الركنين الثابت في حديث لأنه متأخر عنه ، والمتأخر ينسخ المتقدم . ابن عباس
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : لا يتعين النسخ الذي ذكره النووي ، لما تقرر في الأصول عن جماعة من العلماء ، أن الأفعال لا تعارض بينها ، فلا يلزم نسخ الآخر منها للأول ، بناء على أن الفعل لا عموم له ، فلا يقع في الخارج إلا شخصيا لا كليا ، حتى ينافي فعلا آخر ، فجائز أن يقع الفعل واجبا في وقت ، وفي وقت آخر بخلافه .
قال في مختصره الأصولي : مسألة : الفعلان لا يتعارضان كصوم وأكل لجواز تحريم الأكل في وقت ، وإباحته في آخر . إلخ ، ومحل عدم تعارض الفعلين المذكور ما لم يقترن بالفعلين قول يدل على ثبوت الحكم ، وإلا كان آخر الفعلين ناسخا للأول عند قوم ، وعند آخرين لا يكون ناسخا ، كما لو لم يقترن بهما قول ، وعن ابن الحاجب مالك ، يصار إلى الترجيح بين الفعلين ، إن اقترن بهما القول وإن لم يترجح أحدهما ، فالتخيير بينهما . مثال الفعلين اللذين لم يقترن بهما قول يدل على ثبوت الحكم مشيه صلى الله عليه وسلم بين والشافعي الركنين اليمانيين ورمله في غير ذلك من الأشواط الثلاثة الأول في عمرة القضاء ، مع رمله في الجميع في حجة الوداع ، ومثال الفعلين اللذين اقترن بهما قول يدل على ثبوت الحكم صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف على صفات متعددة ، مختلفة كما أوضحناه في سورة النساء ، مع أن تلك الأفعال المختلفة اقترنت بقول يدل على ثبوت الحكم ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم فالجاري على الأصول حسبما ذكرنا عن جماعة منهم : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ابن [ ص: 394 ] الحاجب ، والعضد ، والرهوني ، وغيرهم أن طواف الأشواط كلها ليس ناسخا للمشي بين الركنين ، وأن صيغة صلاة الخوف فيها الأقوال المارة قيل : كل صورة بعد أخرى ، فهي ناسخة لها ، وقيل : كلها صحيحة لم ينسخ منها شيء ، وقيل : بالترجيح بين صورها ، وإن لم يترجح واحد ، فالتخيير .
وإلى هذه المسألة أشار صاحب مراقي السعود بقوله :
ولم يكن تعارض الأفعال في كل حالة من الأحوال
وإن يك القول بحكم لامعا
فآخر الفعلين كان رافعا
والكل عند بعضهم صحيح
ومالك عنه روي الترجيح
وحيثما قد عدم المصير
إليه فالأولى هو التخيير
تنبيه : لم يتعرض المصنف للتعارض بين الفعلين ، وصرح الرهوني وغيره بأنه لا تعارض بينهما في الحقيقة سواء تماثل الفعلان ، أو اختلفا ، وسواء أمكن الجمع بينهما ، أو لم يمكن لأن الفعل لا عموم له من حيث هو إذ لا يقع في الأعيان ، إلا مشخصا فلا يكون كليا حتى ينافي فعلا آخر ، فجاز أن يكون واجبا في وقت مباحا في آخر ، وهذا ما لم يقترن بالفعل قول : يدل على ثبوت الحكم كقوله عليه الصلاة والسلام ، ورأوه صلى صلاة الخوف على صفات متعددة فقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " الأبياري : هذا كاختلاف القولين على الصحيح ، والمتأخر ناسخ ، وقيل : يصح إيقاعها على كل وجه من تلك الوجوه ، وبه قال القاضي : ميل إليه ، وقيل : يطلب الترجيح ، كما قال وللشافعي مالك ، . انتهى محل الغرض منه . والشافعي
والرمل : مصدر رمل بفتح الميم يرمل بضمها رملا بفتح الميم ورملانا : إذا أسرع في مشيته وهز منكبيه وهو في ذلك لا ينزو ؛ أي : لا يثب ، وأنشد : المبرد
ناقته ترمل في النقال متلف مال ومفيد مال