ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن المجرمين يرون النار يوم القيامة ، ويظنون أنهم مواقعوها ، أي : مخالطوها وواقعون فيها . والظن في هذه الآية بمعنى اليقين ; لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع . وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم موقنون بالواقع ; كقوله عنهم : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [ 32 \ 12 ] ، وكقوله : فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد [ 50 \ 22 ] ، وقولـه تعالى : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا الآية [ 19 \ 38 ] ، ومن إطلاق الظن على اليقين [ قولـه ] تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون [ 2 \ 45 - 46 ] ، أي : يوقنون أنهم ملاقو ربهم ، وقولـه تعالى : قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين [ 2 \ 249 ] ، وقولـه تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه [ 69 \ 19 - 20 ] ، [ ص: 299 ] فالظن في هذه الآيات كلها بمعنى اليقين ، والعرب تطلق الظن على اليقين وعلى الشك ، ومن إطلاقه على اليقين في كلام العرب قول دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
وقول عميرة بن طارق :بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما
أزهير هل عن شيبة من مصرف أم لا خلود لباذل متكلف
ورأى المجرمون النار ، من رأى البصرية ، فهي تتعدى لمفعول واحد ، والتعبير بالماضي عن المستقبل نظرا لتحقق الوقوع ، فكان ذلك لتحقق وقوعه كالواقع بالفعل ، كما تقدم مرارا ، والعلم عند الله تعالى .