قوله تعالى : ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ، التحقيق في معنى هذه الآية الكريمة أن الله يقول : ما أشهدت إبليس وجنوده ; أي : ما أحضرتهم خلق السماوات والأرض ، فأستعين بهم على خلقها ولا خلق أنفسهم ، أي : ولا أشهدتهم خلق أنفسهم ، أي : ما أشهدت بعضهم خلق بعضهم فأستعين به على خلقه ، بل تفردت بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير ! فكيف تصرفون لهم حقي وتتخذونهم أولياء من دوني وأنا خالق كل شيء .
وهذا المعنى الذي أشارت له الآية من أن الخالق هو المعبود وحده جاء مبينا في آيات كثيرة ، وقد قدمنا كثيرا منها في مواضع متعددة ، كقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون [ 16 \ 17 ] ، وقولـه : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار [ 13 \ 16 ] ، وقولـه : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين [ 31 \ 11 ] ، وقولـه تعالى : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات [ 35 \ 40 ] ، وقولـه تعالى : قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات [ 46 \ 4 ] ، إلى غير ذلك من الآيات كما قدمناه مرارا . وقال بعض العلماء ولا خلق أنفسهم أي : ما أشهدتهم خلق أنفسهم ; بل خلقتهم على ما أردت وكيف شئت . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وما كنت متخذ المضلين عضدا [ 18 \ 51 ] ، فيه الإظهار في محل الإضمار ; لأن الأصل الظاهر . وما كنت متخذهم عضدا ، كقوله : ما أشهدتهم والنكتة البلاغية في الإظهار في محل الإضمار هي ذمه تعالى لهم بلفظ [ ص: 295 ] الإضلال . وقوله " عضدا " أي : أعوانا .
وفي هذه الآية الكريمة التنبيه على أن ، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب . الضالين المضلين لا تنبغي الاستعانة بهم
والمعنى المذكور أشير له في مواضع أخر ; كقوله تعالى : قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين [ 28 \ 17 ] ، والظهير : المعين ، والمضلون : الذين يضلون أتباعهم عن طريق الحق ، وقد قدمنا معنى الضلال وإطلاقاته في القرآن بشواهده العربية .