القول في و لا يضار كاتب ولا شهيد ) تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : ذلك نهي من الله الكاتب الكتاب بين أهل الحقوق والشهيد أن يضار أهله ، فيكتب هذا ما لم يملله المملي ، ويشهد هذا بما لم يستشهده المستشهد .
ذكر من قال ذلك :
6408 - حدثني الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله : " " ولا يضار كاتب ولا شهيد " " ولا يضار كاتب " فيكتب ما لم يمل عليه " ولا شهيد " فيشهد بما لم يستشهد .
6409 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا عن ابن علية يونس قال : كان الحسن يقول : " لا يضار كاتب " فيزيد شيئا أو يحرف " ولا شهيد " قال : لا يكتم الشهادة ، ولا يشهد إلا بحق . [ ص: 86 ]
6410 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : اتقى الله شاهد في شهادته ، لا ينقص منها حقا ولا يزيد فيها باطلا . اتقى الله كاتب في كتابه ، فلا يدعن منه حقا ولا يزيدن فيه باطلا .
6411 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : " لا يضار كاتب " فيكتب ما لم يملل " ولا شهيد " فيشهد بما لم يستشهد .
6411 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : " لا يضار كاتب " فيكتب ما لم يملل " ولا شهيد " فيشهد بما لم يستشهد .
6412 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن قتادة نحوه .
6413 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : " لا يضار كاتب " فيكتب غير الذي أملي عليه . قال : والكتاب يومئذ قليل ، ولا يدرون أي شيء يكتب ، فيضار فيكتب غير الذي أملي عليه ، فيبطل حقهم . قال : والشهيد يضار فيحول شهادته ، فيبطل حقهم .
قال أبو جعفر : فأصل الكلمة على تأويل من ذكرنا من هؤلاء : ، ثم أدغمت " الراء " في " الراء " لأنهما من جنس ، وحركت إلى الفتح وموضعها جزم ، لأن الفتح أخف الحركات . ولا يضارر كاتب ولا شهيد
وقال آخرون ممن تأول هذه الكلمة هذا التأويل : معنى ذلك : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " بالامتناع عمن دعاهما إلى أداء ما عندهما من العلم أو الشهادة . [ ص: 87 ]
ذكر من قال ذلك :
6414 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا عن ابن جريج عطاء في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : أن يؤديا ما قبلهما .
6415 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن قال : قلت ابن جريج لعطاء . " ولا يضار كاتب ولا شهيد " ؟ قال : " لا يضار " أن يؤديا ما عندهما من العلم .
6416 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن عن يزيد بن أبي زياد مقسم عن ابن عباس قال : " لا يضار " كاتب ولا شهيد " قال : أن يدعوهما ، فيقولان : إن لنا حاجة .
6417 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق عن عن ابن جريج عطاء ومجاهد : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قالا واجب على الكاتب أن يكتب " ولا شهيد " قالا إذا كان قد شهد اقبله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " ولا يضار المستكتب والمستشهد الكاتب والشهيد " . وتأويل الكلمة على مذهبهم : ولا يضارر ، على وجه ما لم يسم فاعله .
ذكر من قال ذلك :
6418 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال كان عمر يقرأ : " ولا يضارر كاتب ولا شهيد " . [ ص: 88 ]
6419 - حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ قال أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك قال : كان ابن مسعود يقرأ : ( ولا يضارر ) .
6420 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن قال أخبرني ابن جريج عبد الله بن كثير عن مجاهد أنه كان يقرأ : " ولا يضارر كاتب ولا شهيد " وأنه كان يقول في تأويلها : ينطلق الذي له الحق فيدعو كاتبه وشاهده إلى أن يشهد ، ولعله أن يكون في شغل أو حاجة ، ليؤثمه إن ترك ذلك حينئذ لشغله وحاجته وقال مجاهد : لا يقم عن شغله وحاجته ، فيجد في نفسه أو يحرج .
6421 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني : إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت ! فيضاره بذلك ، وهو مكتف بغيره . فنهاه الله - عز وجل - عن ذلك وقال : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " .
6422 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : إنه يكون للكاتب والشاهد حاجة ليس منها بد; فيقول : خلوا سبيله .
6423 - حدثني يعقوب قال : حدثنا عن ابن علية يونس عن عكرمة في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : يكون به العلة أو يكون مشغولا يقول : فلا يضاره .
6424 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان يقول : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : لا يأت الرجل فيقول : انطلق فاكتب لي ، واشهد لي ، فيقول : إن لي حاجة فالتمس غيري ! فيقول : اتق الله ، فإنك قد أمرت أن تكتب لي ! فهذه المضارة ، ويقول : دعه والتمس غيره ، والشاهد بتلك المنزلة . [ ص: 89 ]
6425 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : يدعو الرجل الكاتب أو الشهيد ، فيقول الكاتب أو الشاهد : إن لنا حاجة ! فيقول الذي يدعوهما : إن الله - عز وجل - أمركما أن تجيبا في الكتابة والشهادة ! يقول الله - عز وجل - لا يضارهما .
6426 - حدثت عن الحسن قال سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك في قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " هو الرجل يدعو الكاتب أو الشاهد وهما على حاجة مهمة ، فيقولان : إنا على حاجة مهمة فاطلب غيرنا ! فيقول : والله لقد أمركما أن تجيبا ! فأمره أن يطلب غيرهما ولا يضارهما ، يعني : لا يشغلهما عن حاجتهما المهمة وهو يجد غيرهما .
6427 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن قوله : " السدي ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : ليس ينبغي أن تعترض رجلا له حاجة فتضاره فتقول له : اكتب لي ! فلا تتركه حتى يكتب لك وتفوته حاجته ولا شاهدا من شهودك وهو مشغول ، فتقول : اذهب فاشهد لي ! تحبسه عن حاجته ، وأنت تجد غيره .
6428 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال : لما نزلت هذه الآية : " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " كان أحدهم يجيء إلى الكاتب فيقول : اكتب لي ! فيقول : إني مشغول أو : لي حاجة ، فانطلق إلى غيري ! فيلزمه ويقول : إنك [ ص: 90 ] قد أمرت أن تكتب لي ! فلا يدعه ويضاره بذلك وهو يجد غيره . ويأتي الرجل فيقول : انطلق معي فاشهد لي ! فيقول : انطلق إلى غيري فإني مشغول أو لي حاجة ! فيلزمه ويقول : قد أمرت أن تتبعني . فيضاره بذلك ، وهو يجد غيره ، فأنزل الله - عز وجل - : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " .
6429 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " يقول : إن لي حاجة فدعني ! فيقول : اكتب لي " ولا شهيد " كذلك .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : " ولا يضار كاتب ولا شهيد " بمعنى : ولا يضارهما من استكتب هذا أو استشهد هذا ، بأن يأبى على هذا إلا أن يكتب له وهو مشغول بأمر نفسه ، ويأبى على هذا إلا أن يجيبه إلى الشهادة وهو غير فارغ على ما قاله قائلو ذلك من القول الذي ذكرنا قبل .
وإنما قلنا : هذا القول أولى بالصواب من غيره ، لأن الخطاب من الله - عز وجل - في هذه الآية من مبتدئها إلى انقضائها على وجه : " افعلوا أو : لا تفعلوا " إنما هو خطاب لأهل الحقوق والمكتوب بينهم الكتاب ، والمشهود لهم أو عليهم بالذي تداينوه بينهم من الديون . فأما ما كان من أمر أو نهي فيها لغيرهم ، فإنما هو على وجه الأمر والنهي للغائب غير المخاطب ، كقوله : " وليكتب بينكم كاتب " وكقوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " وما أشبه ذلك . فالوجه إذ كان المأمورون فيها مخاطبين بقوله : " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " [ بأن يكون [ ص: 91 ] الأمر مردودا على المستكتب والمستشهد ] ، أشبه منه بأن يكون مردودا على الكاتب والشهيد . ومع ذلك فإن الكاتب والشهيد لو كانا هما المنهيين عن الضرار لقيل : وإن يفعلا فإنه فسوق بهما ، لأنهما اثنان ، وأنهما غير مخاطبين بقوله : " ولا يضار " بل النهي بقوله : " ولا يضار " نهي للغائب غير المخاطب . فتوجيه الكلام إلى ما كان نظيرا لما في سياق الآية ، أولى من توجيهه إلى ما كان منعدلا عنه .