القول في الذين أحصروا في سبيل الله ) تأويل قوله عز وجل (
قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : الذين جعلهم جهادهم عدوهم يحصرون أنفسهم فيحبسونها عن التصرف فلا يستطيعون تصرفا .
وقد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى " الإحصار " تصيير الرجل المحصر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوه وغير ذلك من علله إلى حالة يحبس نفسه فيها عن التصرف في أسبابه ، بما فيه الكفاية فيما مضى قبل .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 592 ]
6215 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " الذين أحصروا في سبيل الله " قال : حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو .
6216 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " قال : كانت الأرض كلها كفرا ، لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل الله ، إذا خرج خرج في كفر . وقيل : كانت الأرض كلها حربا على أهل هذا البلد ، وكانوا لا يتوجهون جهة إلا لهم فيها عدو ، فقال الله - عز وجل - : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية ، كانوا ههنا في سبيل الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : الذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التصرف .
ذكر من قال ذلك :
6217 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " حصرهم المشركون في المدينة .
قال أبو جعفر : ولو كان تأويل الآية على ما تأوله لكان الكلام : للفقراء الذين حصروا في سبيل الله ، ولكنه " أحصروا " فدل ذلك على أن خوفهم من العدو الذي صير هؤلاء الفقراء إلى الحال التي حبسوا - وهم في سبيل الله - أنفسهم ، لا أن العدو هم كانوا الحابسيهم . السدي ،
وإنما يقال لمن حبسه العدو : " حصره العدو " وإذا كان الرجل المحبس من خوف العدو ، قيل : " أحصره خوف العدو " .