القول في تأويل متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ( 236 ) ) قوله تعالى (
قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ومتعوهن متاعا . وقد يجوز أن يكون " متاعا " منصوبا قطعا من " القدر " . لأن " المتاع " نكرة ، و " القدر " معرفة .
ويعني بقوله : " بالمعروف " بما أمركم الله به من إعطائكم إياهن ذلك ، بغير ظلم ، ولا مدافعة منكم لهن به .
ويعني بقوله : " حقا على المحسنين " متاعا بالمعروف الحق على المحسنين . فلما دل إدخال " الألف واللام " على " الحق " وهو من نعت " المعروف " و " المعروف " معرفة ، و " الحق " نكرة ، نصب على القطع منه ، كما يقال : " أتاني الرجل راكبا " .
[ ص: 138 ] وجائز أن يكون نصب على المصدر من جملة الكلام الذي قبله ، كقول القائل : " عبد الله عالم حقا " ف " الحق " منصوب من نية كلام المخبر ، كأنه قال : أخبركم بذلك حقا .
والتأويل الأول هو وجه الكلام ، لأن معنى الكلام : فمتعوهن متاعا بمعروف حق على كل من كان منكم محسنا .
وقد زعم بعضهم أن ذلك منصوب بمعنى : أحق ذلك حقا . والذي قاله من ذلك ، بخلاف ما دل عليه ظاهر التلاوة . لأن الله - تعالى ذكره - جعل المتاع للمطلقات حقا لهن على أزواجهن ، فزعم قائل هذا القول أن معنى ذلك أن الله - تعالى ذكره - أخبر عن نفسه أنه يحق أن ذلك على المحسنين . فتأويل الكلام إذا - إذ كان الأمر كذلك - : ومتعوهن على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف الواجب على المحسنين .
ويعني بقوله : " المحسنين " الذين يحسنون إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله فيما ألزمهم به ، وأدائهم ما كلفهم من فرائضه .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : إنك قد ذكرت أن " الجناح " هو الحرج ، وقد قال الله - تعالى ذكره - : " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن " فهل علينا من جناح لو طلقناهن بعد المسيس ، فيوضع عنا بطلاقنا إياهن قبل المسيس؟ قيل : قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " . إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات
[ ص: 139 ] 5244 - حدثنا بذلك ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . شهر بن حوشب
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " . ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ، يقولون : قد طلقتك ، قد راجعتك ، قد طلقتك
5245 - حدثنا بذلك ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فجائز أن يكون " الجناح " الذي وضع عن الناس في طلاقهم نساءهم قبل المسيس ، هو الذي كان يلحقهم منه بعد ذوقهم إياهن ، كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 140 ] وقد كان بعضهم يقول : معنى قوله في هذا الموضع : " لا جناح " لا سبيل عليكم للنساء - إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ، ولم تكونوا فرضتم لهن فريضة - في إتباعكم بصداق ولا نفقة . وذلك مذهب ، لولا ما قد وصفت من أن المعني بالطلاق قبل المسيس في هذه الآية صنفان من النساء : أحدهما المفروض لها ، والآخر غير المفروض لها . فإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لأن يقال : لا سبيل لهن عليكم في صداق ، إذا كان الأمر على ما وصفنا .
وقد يحتمل ذلك أيضا وجها آخر : وهو أن يكون معناه : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تماسوهن ، في أي وقت شئتم طلاقهن . لأنه لا سنة في طلاقهن ، فللرجل أن يطلقهن إذا لم يكن مسهن ، حائضا وطاهرا في كل وقت أحب . وليس ذلك كذلك في المدخول بها التي قد مست ، لأنه ليس لزوجها طلاقها إن كانت من أهل الأقراء - إلا للعدة طاهرا في طهر لم يجامع فيه . فيكون " الجناح " الذي أسقط عن مطلق التي لم يمسها في حال حيضها ، هو " الجناح " الذي كان به مأخوذا المطلق بعد الدخول بها في حال حيضها ، أو في طهر قد جامعها فيه .