قال أبو جعفر : وأصل المرض : السقم ، ثم يقال ذلك في الأجساد والأديان . فأخبر الله جل ثناؤه أن في قلوب المنافقين مرضا ، وإنما عنى تبارك وتعالى بخبره [ ص: 279 ] عن مرض قلوبهم ، الخبر عن مرض ما في قلوبهم من الاعتقاد ولكن لما كان معلوما بالخبر عن مرض القلب ، أنه معني به مرض ما هم معتقدوه من الاعتقاد - استغنى بالخبر عن القلب بذلك والكفاية عن تصريح الخبر عن ضمائرهم واعتقاداتهم كما قال عمر بن لجأ :
وسبحت المدينة ، لا تلمها ، رأت قمرا بسوقهم نهارا
يريد : وسبح أهل المدينة ، فاستغنى بمعرفة السامعين خبره بالخبر عن المدينة ، عن الخبر عن أهلها . ومثله قول عنترة العبسي :
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ؟ إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يريد : هلا سألت أصحاب الخيل ؟ ومنه قولهم : "يا خيل الله اركبي " ، يراد : يا أصحاب خيل الله اركبوا . والشواهد على ذلك أكثر من أن يحصيها كتاب ، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه .
فكذلك معنى قول الله جل ثناؤه : ( في قلوبهم مرض ) إنما يعني : في اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين ، والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله - مرض وسقم . فاجتزأ بدلالة الخبر عن قلوبهم على معناه ، عن تصريح الخبر عن اعتقادهم .
والمرض الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه : هو شكهم في أمر محمد وما جاء به من عند الله ، وتحيرهم فيه ، فلا هم به موقنون إيقان إيمان ، ولا هم له منكرون إنكار إشراك ، ولكنهم ، كما وصفهم الله عز وجل ، مذبذبون بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما يقال : فلان يمرض في هذا الأمر [ ص: 280 ] أي يضعف العزم ولا يصحح الروية فيه .
وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك ، تظاهر القول في تفسيره من المفسرين .
ذكر من قال ذلك :
322 - حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " في قلوبهم مرض " أي شك .
323 - وحدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : المرض : النفاق .
324 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن في خبر ذكره ، عن السدي أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن عن مرة الهمداني ، ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " في قلوبهم مرض " يقول : في قلوبهم شك .
325 - حدثني قال : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد ، في قوله : " في قلوبهم مرض " قال : هذا مرض في الدين ، وليس مرضا في الأجساد ، قال : وهم المنافقون .
326 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله " في قلوبهم مرض " قال : في قلوبهم ريبة وشك في أمر الله جل ثناؤه .
327 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " في قلوبهم مرض " قال : هؤلاء أهل النفاق ، والمرض الذي في قلوبهم : الشك في أمر الله تعالى ذكره .
328 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) حتى بلغ ( في قلوبهم مرض ) [ ص: 281 ] قال : المرض : الشك الذي دخلهم في الإسلام .