القول في تأويل قوله تعالى : ( ونيسرك لليسرى ( 8 ) فذكر إن نفعت الذكرى ( 9 ) سيذكر من يخشى ( 10 ) ويتجنبها الأشقى ( 11 ) الذي يصلى النار الكبرى ( 12 ) ثم لا يموت فيها ولا يحيا ( 13 ) ) .
يقول تعالى ذكره : ونسهلك يا محمد لعمل الخير وهو اليسرى ، واليسرى : هو الفعلى من اليسر .
وقوله : ( فذكر إن نفعت الذكرى ) يقول تعالى ذكره : فذكر عباد الله يا محمد عظمته ، وعظهم ، وحذرهم عقوبته ( إن نفعت الذكرى ) يقول : إن نفعت الذكرى الذين قد آيستك من إيمانهم ، فلا تنفعهم الذكرى . وقوله : ( فذكر ) أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس ، ثم قال : إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم .
وقوله : ( سيذكر من يخشى ) يقول جل ثناؤه : سيذكر يا محمد إذا ذكرت الذين أمرتك بتذكيرهم من يخشى الله ، ويخاف عقابه ( ويتجنبها ) يقول : ويتجنب الذكرى ( الأشقى ) يعني : أشقى الفريقين ( الذي يصلى النار الكبرى ) وهم الذين لم تنفعهم الذكرى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ) فاتقوا الله ، ما خشي الله عبد قط إلا ذكره ( ويتجنبها الأشقى ) فلا والله لا يتنكب عبد هذا الذكر زهدا فيه وبغضا لأهله ، إلا شقي بين الشقاء .
وقوله : ( الذي يصلى النار الكبرى ) يقول : الذي يرد نار جهنم ، وهي النار [ ص: 373 ] الكبرى ، ويعني بالكبرى لشدة الحر والألم .
وقوله : ( ثم لا يموت فيها ولا يحيا ) يقول : ثم لا يموت في النار الكبرى ولا يحيا ، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه ، فلا تخرج فتفارقه فيموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا . وقيل : لا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيا حياة تنفعه .
وقال آخرون : قيل ذلك; لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة ، قالوا : لا هو حي ، ولا هو ميت ، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم .