يقول تعالى ذكره : ليس الأمر كما يظن هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها .
وقال ابن زيد في قول الله : ( كلا إذا بلغت التراقي ) قال : التراقي : نفسه .
حدثني بذلك يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ( وقيل من راق ) يقول تعالى ذكره : وقال أهله : من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به ، وطلبوا له الأطباء والمداوين ، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( من راق ) فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وأبو هشام ، قالا ثنا عن وكيع ، إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ( وقيل من راق ) قال : هل من راق يرقي .
حدثنا أبو كريب وأبو هشام ، قالا ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة ( وقيل من راق ) قال : هل من طبيب شاف .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة ، مثله .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن أبي بسطام ، عن الضحاك بن مزاحم في قول الله تعالى ذكره : ( وقيل من راق ) قال : هو الطبيب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن جويبر ، عن الضحاك في ( وقيل من راق ) قال : هل من مداو .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وقيل من راق ) أي : التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد في قوله : ( وقيل من راق ) قال : أين الأطباء ، والرقاة : من يرقيه من الموت . [ ص: 76 ]
وقال آخرون : بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض ، يقول بعضهم لبعض : من يرقى بنفسه فيصعد بها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا قال : ثني أبي ، عن معاذ بن هشام ، عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ( كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق ) قال : إذا بلغت نفسه يرقى بها ، قالت الملائكة : من يصعد بها ، ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، في قوله : ( وقيل من راق ) قال : بلغني عن أبي قلابة قال : هل من طبيب ؟ قال : وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال : قالت الملائكة بعضهم لبعض : من يرقى : ملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟
وقوله : ( وظن أنه الفراق ) يقول تعالى ذكره : وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال والولد .
وبنحو الذي قلنا في ذاك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وظن أنه الفراق ) أي : استيقن أنه الفراق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وظن أنه الفراق ) قال : ليس أحد من خلق الله يدفع الموت ، ولا ينكره ، ولكن لا يدري يموت من ذلك المرض أو من غيره ؟ فالظن كما هاهنا هذا .
وقوله : ( والتفت الساق بالساق ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : والتفت شدة أمر الدنيا بشدة أمر الآخرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا قال : ثني أبى ، عن معاذ بن هشام ، عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ( والتفت الساق بالساق ) قال : الدنيا بالآخرة شدة
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( والتفت الساق بالساق ) يقول : آخر يوم من الدنيا ، وأول يوم من الآخرة ، فتلتقي الشدة بالشدة ، إلا من رحم الله . [ ص: 77 ]
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والتفت الساق بالساق ) يقول : والتفت الدنيا بالآخرة ، وذلك ساق الدنيا والآخرة ، ألم تسمع أنه يقول : ( إلى ربك يومئذ المساق ) .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثنا الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( والتفت الساق بالساق ) قال : التف أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت .
حدثنا أبو كريب وأبو هشام ، قالا ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، قال : آخر يوم من الدنيا ، وأول يوم من الآخرة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والتفت الساق بالساق ) قال : قال الحسن : ساق الدنيا بالآخرة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن مجاهد ، قال : هو أمر الدنيا والآخرة عند الموت .
حدثني علي بن الحسين ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن عن أبي سنان الشيباني ، ثابت ، عن الضحاك في قوله : ( والتفت الساق بالساق ) قال : أهل الدنيا يجهزون الجسد ، وأهل الآخرة يجهزون الروح .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ، مثله
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الضحاك ، قال : اجتمع عليه أمران ، الناس يجهزون جسده ، والملائكة يجهزون روحه .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ساق الدنيا بساق الآخرة .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا عن جعفر بن عون ، أبي جعفر ، عن الربيع مثله ، وزاد : ويقال : التفافهما عند الموت .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا ابن يمان ، عن عن فضيل بن مرزوق ، عطية قال : الدنيا والآخرة .
قال : ثنا ابن يمان ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، قال : أمر الدنيا بأمر الآخرة . [ ص: 78 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( والتفت الساق بالساق ) قال : أمر الدنيا بأمر الآخرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( والتفت الساق بالساق ) قال : الشدة بالشدة ، ساق الدنيا بساق الآخرة .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سألت إسماعيل بن أبي خالد ، فقال : عمل الدنيا بعمل الآخرة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سلمة ، عن الضحاك ، قال : هما الدنيا والآخرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والتفت الساق بالساق ) قال : العلماء يقولون فيه قولين : منهم من يقول : ساق الآخرة بساق الدنيا . وقال آخرون : قل ميت يموت إلا التفت إحدى ساقيه بالأخرى . قال ابن زيد : غير أنا لا نشك أنها ساق الآخرة ، وقرأ : ( إلى ربك يومئذ المساق ) قال : لما التفت الآخرة بالدنيا ، كان المساق إلى الله ، قال : وهو أكثر قول من يقول ذلك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : التفت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا بشير بن المهاجر ، عن الحسن ، في قوله : ( والتفت الساق بالساق ) قال : لفهما في الكفن .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا وكيع وابن اليمان ، عن بشير بن المهاجر ، عن الحسن ، قال : هما ساقاك إذا لفتا في . الكفن .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عن وكيع بشير بن المهاجر ، عن الحسن ، مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : التفاف ساقي الميت عند الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا داود ، عن عامر ( والتفت الساق بالساق ) قال : ساقا الميت .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، عبد الوهاب وعبد الأعلى ، قالا ثنا داود ، عن عامر قال : التفت ساقاه عند الموت . [ ص: 79 ]
حدثنا قال : ثني ابن المثنى ، ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي مثله .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، بنحوه .
حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن حصين عن أبي مالك ( والتفت الساق بالساق ) قال : عند الموت .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن عن السدي ، أبي مالك ، قال : التفت ساقاك عند الموت .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( والتفت الساق بالساق ) لفهما أمر الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر قال : قال الحسن : ساقا ابن آدم عند الموت .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السدي ، عن أبي مالك ( والتفت الساق بالساق ) قال : هما ساقاه إذا ضمت إحداهما بالأخرى .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ( والتفت الساق بالساق ) قال قتادة : أما رأيته إذا ضرب برجله رجله الأخرى .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والتفت الساق بالساق ) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شيء ، فقد كان عليهما جولا .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عن السدي ، أبي مالك ( والتفت الساق بالساق ) قال : ساقاه عند الموت .
وقال آخرون : عني بذلك يبسهما عند الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن عن السدي ، أبي مالك ( والتفت الساق بالساق ) قال : يبسهما عند الموت .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مثله . السدي ،
وقال آخرون : معنى ذلك : والتف أمر بأمر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا ثنا قال : ثنا وكيع ، ابن أبي خالد ، عن [ ص: 80 ] أبي عيسى ( والتفت الساق بالساق ) قال : الأمر بالأمر .
وقال آخرون : بل عني بذلك : والتف بلاء ببلاء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، قال : بلاء ببلاء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندي قول من قال : معنى ذلك : والتفت ساق الدنيا بساق الآخرة ، وذلك شدة كرب الموت بشدة هول المطلع ، والذي يدل على أن ذلك تأويله ، قوله : ( إلى ربك يومئذ المساق ) والعرب تقول لكل أمر اشتد : قد شمر عن ساقه ، وكشف عن ساقه ، ومنه قول الشاعر :
إذا شمرت لك عن ساقها فرنها ربيع ولا تسأم
عني بقوله : ( التفت الساق بالساق ) التصقت إحدى الشدتين بالأخرى ، كما يقال للمرأة إذا التصقت إحدى فخذيها بالأخرى : لفاء .
وقوله : ( إلى ربك يومئذ المساق ) يقول : إلى ربك يا محمد يوم التفاف الساق بالساق مساقه .