يعني - تعالى ذكره - بقوله ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) حين جعل في قلبه الحمية ، فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمشركين : بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن يكتب فيه : سهيل بن عمرو محمد رسول الله ، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامه ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن [ ص: 252 ] الزهري قال : كانت حميتهم التي ذكر الله ، إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ، أنهم لم يقروا " بسم الله الرحمن الرحيم " وحالوا بينهم وبين البيت .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا يحيى بن سعيد قال : ثنا ، عن عبد الله بن المبارك معمر ، عن الزهري بنحوه .
حدثني عمرو بن محمد العثماني قال : ثنا قال : ثني أخي ، عن إسماعيل بن أبي أويس سليمان ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن شهاب ، عن أن سعيد بن المسيب ، أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبا هريرة " . وأنزل الله في كتابه ، فذكر قوما استكبروا فقال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ) وقال الله ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ) وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، استكبر عنها المشركون يوم الحديبية ، يوم كاتبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قضية المدة .
و " إذ" من قوله ( إذ جعل الذين كفروا ) من صلة قوله : لعذبنا . وتأويل الكلام : لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، والحمية فعيلة من قول القائل : حمى فلان أنفه حمية ومحمية; ومنه قول المتلمس :
ألا إنني منهم وعرضي عرضهم كذا الرأس يحمي أنفه أن يكشما
[ ص: 253 ]يعني بقوله : " يحمي" : يمنع . وقال ( حمية الجاهلية ) لأن الذي فعلوا من ذلك كان جميعه من ، ولم يكن شيء منه مما أذن الله لهم به ، ولا أحد من رسله . أخلاق أهل الكفر
وقوله ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) يقول - تعالى ذكره - فأنزل الله الصبر والطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين ، إذ حمى الذين كفروا حمية الجاهلية ، ومنعوهم من الطواف بالبيت ، وأبوا أن يكتبوا في الكتاب بينه وبينهم بسم الله الرحمن الرحيم ، ومحمد رسول الله ( وألزمهم كلمة التقوى ) يقال : ألزمهم قول لا إله إلا الله التي يتقون بها النار ، وأليم العذاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف في ذلك منهم ، وروي به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ذكر قائلي ذلك بما قلنا فيه ، والخبر الذي ذكرناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي قال : ثنا سفيان بن حبيب قال : ثنا شعبة ، عن ثور بن أبي فاختة ، عن أبيه ، عن الطفيل ، عن أبيه ، وألزمهم كلمة التقوى ) قال : " لا إله إلا الله" . سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (
حدثني محمد بن خالد بن خداش العتكي قال : سمعت سالما ، سمع شعبة ، سمع سلمة بن كهيل ، سمع عباية ، سمع عليا رضي الله عنه في قوله ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثني ابن بشار قال : ثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : ثنا سفيان ، عن سلمة ، عن عباية بن ربعي ، عن علي رضي الله عنه ، في قوله ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر .
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني قال ثنا ابن المبارك ، عن سفيان وشعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن رجل ، عن علي رضي الله عنه قال : لا [ ص: 254 ] إله إلا الله ، والله أكبر .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، عن وهب بن جرير شعبة ، عن سلمة ، عن عباية ، عن رجل من بني تميم عن علي رضي الله عنه ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثني علي ، قال ثنا أبو صالح . قال ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( وألزمهم كلمة التقوى ) يقول : شهادة أن لا إله إلا الله ، فهي كلمة التقوى ، يقول : فهي رأس التقوى .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة قال : سمعت أبا إسحاق ، يحدث عن عمرو بن ميمون أنه كان يقول في هذه الآية ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثني محمد بن عيسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرني سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، مثله .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وألزمهم كلمة التقوى ) وهي : شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : هي لا إله إلا الله .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وألزمهم كلمة التقوى ) هي لا إله إلا الله . [ ص: 255 ]
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا حفص بن عمر قال : ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة في قوله ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثني ابن البرقي قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ( عطاء الخراساني وألزمهم كلمة التقوى ) قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
حدثني الصواري محمد بن إسماعيل قال : ثنا محمد بن سوار قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن يزيد بن أبي خالد المكي ، عن علي الأزدي قال : كنت مع ابن عمر بين مكة ومنى بالمأزمين ، فسمع الناس يقولون : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، فقال : هي هي ، فقلت : ما هي ؟ قال ( وألزمهم كلمة التقوى ) الإخلاص ( وكانوا أحق بها وأهلها ) .
وقال آخرون : بل هي كلمة التقوى ، الإخلاص .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن الحسين الأزدي قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : الإخلاص .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( كلمة التقوى ) كلمة الإخلاص .
وقال آخرون : هي قوله : بسم الله الرحمن الرحيم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عيسى قال : ثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري في قوله ( وألزمهم كلمة التقوى ) قال : بسم الله الرحمن الرحيم .
وقال آخرون : هي قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله [ ص: 256 ] الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان قال : أخبرنا عن ابن جريج ، مجاهد ( وعطاء وألزمهم كلمة التقوى ) قال : أحدهما الإخلاص ، وقال الآخر : كلمة التقوى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
وقوله ( وكانوا أحق بها وأهلها ) يقول - تعالى ذكره - : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون أحق بكلمة التقوى من المشركين ، وأهلها : يقول : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون أهل كلمة التقوى دون المشركين .
وذكر أنها في قراءة عبد الله ( وكانوا أهلها وأحق بها ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وكانوا أحق بها وأهلها ) وكان المسلمون أحق بها ، وكانوا أهلها : أي التوحيد ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .
وقوله ( وكان الله بكل شيء عليما ) يقول - تعالى ذكره - : ولم يزل الله بكل شيء ذا علم ، لا يخفى عليه شيء هو كائن ، ولعلمه أيها الناس بما يحدث من دخولكم مكة وبها رجال مؤمنون ، ونساء مؤمنات لم تعلموهم ، لم يأذن لكم بدخولكم مكة في سفرتكم هذه .