يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( قل ) يا محمد لقومك المكذبيك فيما جئتهم به من عند الله من هذا القرآن ، القائلين لك فيه : إن هذا إلا اختلاق ( هو نبأ عظيم ) يقول : هذا . القرآن خبر عظيم
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الأعلى بن واصل الأسدي قال : ثنا أبو أسامة عن شبل بن عباد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ( قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ) قال : القرآن .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا هشام عن [ ص: 236 ] ابن سيرين عن شريح أن رجلا قال له : أتقضي علي بالنبأ ؟ قال : فقال له شريح : أوليس القرآن نبأ ؟ قال : وتلا هذه الآية : ( قل هو نبأ عظيم ) قال : وقضى عليه .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله ( السدي قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ) قال : القرآن .
وقوله ( أنتم عنه معرضون ) يقول : أنتم عنه منصرفون لا تعملون به ، ولا تصدقون بما فيه من حجج الله وآياته .
وقوله ( ما كان لي من علم بالملإ الأعلى ) يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لمشركي قومك : ( ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون ) في شأن آدم من قبل أن يوحي إلي ربي فيعلمني ذلك ، يقول : ففي إخباري لكم عن ذلك دليل واضح على أن هذا ، لأنكم تعلمون أن علم ذلك لم يكن عندي قبل نزول هذا القرآن ، ولا هو مما شاهدته فعاينته ، ولكني علمت ذلك بإخبار الله إياي به . القرآن وحي من الله وتنزيل من عنده
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ) قال : الملأ الأعلى : الملائكة حين شووروا في خلق آدم ، فاختصموا فيه ، وقالوا : لا تجعل في الأرض خليفة .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي بالملأ الأعلى إذ يختصمون ) هو : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله [ ص: 237 ] ( ما كان لي من علم بالملأ الأعلى ) قال : هم الملائكة ، كانت خصومتهم في شأن آدم حين قال ربك للملائكة : ( إني خالق بشرا من طين ) . . . حتى بلغ ( ساجدين ) وحين قال : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) . . . حتى بلغ ( ويسفك الدماء ) ففي هذا اختصم الملأ الأعلى .
وقوله ( إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لمشركي قريش : ما يوحي الله إلي علم ما لا علم لي به ، من نحو العلم بالملأ الأعلى واختصامهم في أمر آدم إذ أراد خلقه ، إلا لأني إنما أنا نذير مبين ، ف "إنما " على هذا التأويل في موضع خفض على قول من كان يرى أن مثل هذا الحرف الذي ذكرنا لا بد له من حرف خافض ، فسواء إسقاط خافضه منه وإثباته . وأما على قول من رأى أن مثل هذا ينصب إذا أسقط منه الخافض ، فإنه على مذهبه نصب ، وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقد يتجه لهذا الكلام وجه آخر ، وهو أن يكون معناه : ما يوحي الله إلا إنذاركم . وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى ، كانت " إنما " في موضع رفع ؛ لأن الكلام يصير حينئذ بمعنى : ما يوحى إلي إلا الإنذار .
قوله ( إلا أنما أنا نذير مبين ) يقول : إلا أني نذير لكم مبين لكم إنذاره إياكم . وقيل : إلا أنما أنا ، ولم يقل : إلا أنما أنك ، والخبر من محمد عن الله ، لأن الوحي قول ، فصار في معنى الحكاية ، كما يقال في الكلام : أخبروني أني مسيء ، وأخبروني أنك مسيء بمعنى واحد ، كما قال الشاعر :
رجلان من ضبة أخبرانا أنا رأينا رجلا عريانا
[ ص: 238 ] بمعنى : أخبرانا أنهما رأيا ، وجاز ذلك لأن الخبر أصله حكاية .