يقول - تعالى ذكره - : ( ووصينا الإنسان ) فيما أنزلنا إلى رسولنا ( بوالديه ) أن يفعل بهما ( حسنا ) .
واختلف أهل العربية في وجه نصب الحسن ، فقال بعض نحويي البصرة : نصب ذلك على نية تكرير وصينا . وكأن معنى الكلام عنده : ووصينا الإنسان بوالديه ، ووصيناه حسنا . وقال : قد يقول الرجل وصيته خيرا : أي بخير .
وقال بعض نحويي الكوفة : معنى ذلك : ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا ، ولكن العرب تسقط من الكلام بعضه إذا كان فيما بقي الدلالة على ما سقط ، وتعمل ما بقي فيما كان يعمل فيه المحذوف ، فنصب قوله : ( حسنا ) وإن كان المعنى ما وصفت وصينا ؛ لأنه قد ناب عن الساقط ، وأنشد في ذلك :
عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا
خيرا بها كأننا جافونا
وقال : معنى قوله : يوصينا خيرا : أن نفعل بها خيرا ، فاكتفى بيوصينا منه ، وقال : ذلك نحو قوله : ( فطفق مسحا ) أي يمسح مسحا .
وقوله : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) يقول : ( ووصينا الإنسان ) فقلنا له : إن جاهداك والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم أنه ليس [ ص: 12 ] لي شريك ، فلا تطعهما فتشرك بي ما ليس لك به علم ابتغاء مرضاتهما ، ولكن خالفهما في ذلك ( إلي مرجعكم ) يقول - تعالى ذكره - : إلي معادكم ومصيركم يوم القيامة ( فأنبئكم بما كنتم تعملون ) يقول : فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئاتها ، ثم أجازيكم عليها المحسن بالإحسان ، والمسيء بما هو أهله .
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب سعد بن أبي وقاص .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) إلى قوله : ( فأنبئكم بما كنتم تعملون ) قال : نزلت في لما هاجر ، قالت أمه : والله لا يظلني بيت حتى يرجع ، فأنزل الله في ذلك أن يحسن إليهما ، ولا يطيعهما في الشرك . سعد بن أبي وقاص