القول في قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ( 33 ) تأويل قوله تعالى : ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون ( 34 ) )
يقول تعالى ذكره : ( قال ) موسى : ( رب إني قتلت من قوم فرعون نفسا فأخاف ) إن أتيتهم فلم أبن عن نفسي بحجة ( أن يقتلون ) ، لأن في لساني عقدة ، ولا أبين معها ما أريد من الكلام ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ) يقول : أحسن بيانا عما يريد أن يبينه ( فأرسله معي ردءا ) يقول : عونا ( يصدقني ) : أي يبين لهم عني ما أخاطبهم به . كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني ) : أي يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم ما لا يفهمون . وقيل : إنما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه ، لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخير ، كانت النفس إلى تصديقهما ، أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فأرسله معي ردءا يصدقني ) لأن الاثنين أحرى أن يصدقا من واحد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فأرسله معي ردءا يصدقني ) قال عونا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ردءا يصدقني ) : أي عونا .
وقال آخرون : معنى ذلك : كيما يصدقني .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( ردءا يصدقني ) يقول : كي يصدقني . [ ص: 578 ]
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي فأرسله معي ردءا يصدقني ) يقول : كيما يصدقني .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( ردءا يصدقني ) يقول : كيما يصدقني . والردء في كلام العرب : هو العون ، يقال منه : قد أردأت فلانا على أمره : أي أكفيته وأعنته .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( يصدقني ) فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة : " ردءا يصدقني " بجزم يصدقني . وقرأ عاصم وحمزة : يصدقني برفعه ، فمن رفعه جعله صلة للردء ، بمعنى : فأرسله معي ردءا من صفته يصدقني ; ومن جزمه جعله جوابا لقوله : فأرسله ، فإنك إذا أرسلته صدقني على وجه الخبر . والرفع في ذلك أحب القراءتين إلي ، لأنه مسألة من موسى ربه أن يرسل أخاه عونا له بهذه الصفة .
وقوله : ( إني أخاف أن يكذبون ) يقول : إني أخاف أن لا يصدقون على قولي لهم : إني أرسلت إليكم .