القول في تأويل قوله تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا ( 55 ) )
يقول تعالى ذكره : ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهة لا تنفعهم ، فتجلب [ ص: 285 ] إليهم نفعا إذا هم عبدوها ، ولا تضرهم إن تركوا عبادتها ، ويتركون عبادة من أنعم عليهم هذه النعم التي لا كفاء لأدناها ، وهي ما عدد علينا جل جلاله في هذه الآيات من قوله : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) إلى قوله : ( قديرا ) ، ومن قدرته القدرة التي لا يمتنع عليه معها شيء أراده ، ولا يتعذر عليه فعل شيء أراد فعله ، ومن إذا أراد عقاب بعض من عصاه من عباده أحل به ما أحل بالذين وصف صفتهم من قوم فرعون وعاد وثمود وأصحاب الرس ، وقرونا بين ذلك كثيرا ، فلم يكن لمن غضب عليه منه ناصر ، ولا له عنه دافع ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) يقول تعالى ذكره : وكان . الكافر معينا للشيطان على ربه ، مظاهرا له على معصيته
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) قال : يظاهر الشيطان على معصية الله بعينه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( على ربه ظهيرا ) قال : معينا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، مثله . قال : ابن جريج أبو جهل معينا ظاهر الشيطان على ربه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) قال : عونا للشيطان على ربه على المعاصي .
حدثني يونس . قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) قال : على ربه عوينا . والظهير : العوين . وقرأ قول الله : ( فلا تكونن ظهيرا للكافرين ) قال : لا تكونن لهم عوينا . وقرأ أيضا قول الله : ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم ) قال : ظاهروهم : أعانوهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) يعني : أبا الحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا جهل بن هشام .
[ ص: 286 ] وقد كان بعضهم يوجه معنى قوله : ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) أي وكان الكافر على ربه هينا ، من قول العرب : ظهرت به ، فلم ألتفت إليه ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه ، وكأن الظهير كان عنده فعيل صرف من مفعول إليه من مظهور به ، كأنه قيل : وكان الكافر مظهورا به . والقول الذي قلناه هو وجه الكلام ، والمعنى الصحيح ، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن عبادة هؤلاء الكفار من دونه ، فأولى الكلام أن يتبع ذلك ذمه إياهم ، وذم فعلهم دون الخبر عن هوانهم على ربهم ، ولم يجر لاستكبارهم عليه ذكر ، فيتبع بالخبر عن هوانهم عليه .