يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا موسى التوراة ليهتدي بها قومه من بني إسرائيل ، ويعملوا بما فيها ، ( وجعلنا ابن مريم وأمه ) يقول : وجعلنا ابن مريم وأمه حجة لنا على من كان بينهم ، وعلى قدرتنا على إنشاء الأجسام من غير أصل ، كما أنشأنا خلق عيسى من غير أب .
كما حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرازق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( وجعلنا ابن مريم وأمه ) قال : ولدته من غير أب هو له ، ولذلك وحدت الآية ، وقد ذكر مريم وابنها .
وقوله ( وآويناهما إلى ربوة ) يقول : وضممناهما وصيرناهما إلى ربوة ، يقال : أوى فلان إلى موضع كذا ، فهو يأوي إليه ، إذا صار إليه ; وعلى مثال أفعلته فهو يئويه . وقوله ( إلى ربوة ) يعني : إلى مكان مرتفع من الأرض على ما حوله ، ولذلك قيل للرجل ، يكون في رفعة من قومه ، وعز وشرف وعدد : هو في ربوة من قومه ، وفيها لغتان : ضم الراء وكسرها إذا أريد بها الاسم ، وإذا أريد بها الفعلة من المصدر قيل : [ ص: 37 ] ربا ربوة .
واختلف أهل التأويل في المكان الذي وصفه الله بهذه الصفة ، وآوى إليه مريم وابنها ، فقال بعضهم : هو الرملة من فلسطين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني قال : ثنا محمد بن المثنى ، صفوان بن عيسى ، قال : ثنا بشر بن رافع ، قال : ثني ابن عم يقال له : لأبي هريرة ، أبو عبد الله ، قال : قال لنا : الزموا هذه أبو هريرة الرملة من فلسطين ، فإنها الربوة التي قال الله : ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) .
حدثني عصام بن رواد بن الجراح ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا عباد أبو عتبة الخواص ، قال : ثنا يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، عن ابن وعلة ، عن كريب قال : ما أدري ما حدثنا مرة البهزي ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر أن الربوة : هي الرملة .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن بشر بن رافع ، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ، قال : سمعت يقول في قول الله : ( أبا هريرة إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال : هي الرملة من فلسطين .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا صفوان ، قال : ثنا بشر بن رافع ، قال : ثني أبو عبد الله ابن عم أبي هريرة ، قال : قال لنا الزموا هذه أبو هريرة : الرملة التي بفلسطين ، فإنها الربوة التي قال الله : ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) .
وقال آخرون : هي دمشق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن الوليد القرشي ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنه قال في هذه الآية : ( سعيد بن المسيب وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال : زعموا أنها دمشق .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : بلغني ، عن ابن المسيب أنه قال : دمشق .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن مثله . سعيد بن المسيب ،
[ ص: 38 ] حدثني قال : ثنا يحيى بن عثمان بن صالح السهمي ، ابن بكير ، قال : ثنا الليث بن سعد ، قال : ثني عن عبد الله بن لهيعة ، يحيى بن سعيد ، عن في قوله : ( سعيد بن المسيب وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) قال : إلى ربوة من ربا مصر قال : وليس الربا إلا في مصر ، والماء حين يرسل تكون الربا عليها القرى ، لولا الربا لغرقت تلك القرى .
وقال آخرون : هي بيت المقدس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : هو بيت المقدس .
قال ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : كان كعب يقول : بيت المقدس أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن كعب ، مثله .
وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك : أنها مكان مرتفع ذو استواء ، وماء ظاهر ، وليس كذلك صفة الرملة ; لأن الرملة لا ماء بها معين ، والله تعالى ذكره وصف هذه الربوة بأنها ذات قرار ومعين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وآويناهما إلى ربوة ) قال : الربوة : المستوية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إلى ربوة ) قال : مستوية .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
وقوله : ( ذات قرار ومعين ) يقول تعالى ذكره : من مريم وابنها عيسى ، أنها أرض منبسطة وساحة ، وذات ماء ظاهر ، لغير الباطن ، جار . صفة الربوة التي آوينا إليها
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن [ ص: 39 ] أبيه ، عن ابن عباس : ( ومعين ) قال : المعين : الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، في قوله : ( ذات قرار ومعين ) قال : المعين : الماء .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : معين ، قال : ماء .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : ثنا محمد بن الصلت ، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، في قوله : ( ذات قرار ومعين ) قال : المكان المستوي ، والمعين : الماء الظاهر .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ومعين ) : هو الماء الظاهر .
وقال آخرون : عنى بالقرار الثمار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( ذات قرار ومعين ) هي ذات ثمار ، وهي بيت المقدس .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله قتادة في معنى : ( ذات قرار ) وإن لم يكن أراد بقوله : إنها إنما وصفت بأنها ذات قرار لما فيها من الثمار ، ومن أجل ذلك ، يستقر فيها ساكنوها ، فلا وجه له نعرفه . وأما ( معين ) فإنه مفعول من عنته فأنا أعينه ، وهو معين ، وقد يجوز أن يكون فعيلا من معن يمعن فهو معين من الماعون ، ومنه قول عبيد بن الأبرص :
واهية أو معين ممعن أو هضبة دونها لهوب
[ ص: 40 ]