يقول تعالى ذكره : وتركنا عبادنا يوم يأتيهم وعدنا الذي وعدناهم ، بأنا ندك الجبال وننسفها عن الأرض نسفا ، فنذرها قاعا صفصفا ، بعضهم يموج في بعض ، يقول : يختلط جنهم بإنسهم .
كما ثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن هارون بن عنترة ، عن شيخ من بني فزارة ، في قوله ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ) قال : إذا ماج الجن والإنس ، قال إبليس : فأنا أعلم لكم علم هذا الأمر ، فيظعن إلى المشرق ، فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض ، ثم يظعن إلى المغرب ، فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض ، ثم يصعد يمينا وشمالا إلى أقصى الأرض ، فيجد الملائكة قطعوا الأرض ، فيقول : ما من محيص ، فبينا هو كذلك ، إذ عرض له طريق كالشراك ، فأخذ عليه هو وذريته ، فبينما هم عليه ، إذ هجموا على النار ، فأخرج الله خازنا من خزان النار ، قال : يا إبليس ألم تكن لك المنزلة عند ربك ، ألم تكن في الجنان؟ فيقول : ليس هذا يوم عتاب ، لو أن الله فرض علي فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه ، فيقول : فإن الله قد فرض عليك فريضة ، فيقول : ما هي؟ فيقول : يأمرك أن تدخل النار ، فيتلكأ [ ص: 121 ] عليه ، فيقول به وبذريته بجناحيه ، فيقذفهم في النار ، فتزفر النار زفرة فلا يبقى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل إلا جثى لركبتيه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ) قال : هذا أول القيامة ، ثم نفخ في الصور على أثر ذلك فجمعناهم جمعا ،
( ونفخ في الصور ) قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيما مضى في الصور ، وما هو ، وما عني به .
واخترنا الصواب من القول في ذلك بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر في ذلك الموضع من الأخبار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : ثنا أسلم ، عن بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " . أن أعرابيا سأله عن الصور ، قال " قرن ينفخ فيه
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن العجلي ، عن بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا محمد بن الحارث القنطري ، قال : ثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : كنت في جنازة عمر بن ذر فلقيت فحدثنا عن مالك بن مغول ، عطية العوفي ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي سعيد الخدري ، " كذا قال ، وإنما هو ما أقلوا . كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم وحنى الجبهة ، وأصغى بالأذن متى يؤمر ، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : قولوا حسبنا الله وعلى الله توكلنا ، ولو اجتمع أهل منى ما أقالوا ذلك القرن
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص ، عن الحجاج ، عن عطية ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي سعيد الخدري ، " . كيف أنعم [ ص: 122 ] وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى ظهره وجحظ بعينيه ، قالوا : ما نقول يا رسول الله؟ قال : قولوا : حسبنا الله ، توكلنا على الله
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " . كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته يستمع متى يؤمر فينفخ فيه ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف نقول؟ قال : تقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ، توكلنا على الله
حدثنا أبو كريب قالا ثنا والحسن بن عرفة ، أسباط ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا شعيب بن حرب ، قال : ثنا خالد أبو العلاء ، قال : ثنا عطية العوفي ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي سعيد الخدري ، " . كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى الجبهة ، وأصغى بالأذن متى يؤمر أن ينفخ ، ولو أن أهل منى اجتمعوا على القرن على أن يقلوه من الأرض ، ما قدروا عليه" قال : فأبلس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشق عليهم ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن فلان ، عن رجل من الأنصار ، عن عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، " . لما فرغ الله من خلق السماوات والأرض ، خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو وضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر ، قال أبو هريرة : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : قرن ، قال : وكيف هو؟ قال : قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى : نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة القيام لرب العالمين
وقوله ( فجمعناهم جمعا ) يقول : فجمعنا جميع الخلق حينئذ لموقف الحساب جميعا .
وقوله ( وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ) يقول : وأبرزنا جهنم يوم ينفخ في الصور ، فأظهرناها للكافرين بالله ، حتى يروها ويعاينوها [ ص: 123 ] كهيئة السراب ، ولو جعل الفعل لها قيل : أعرضت إذا استبانت . كما قال عمرو بن كلثوم :
وأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . .
ذكر من قال ذلك : حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : ثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله ، قال : يقوم الخلق لله إذا نفخ في الصور ، قيام رجل واحد ، ثم يتمثل الله عز وجل للخلق فما يلقاه أحد من الخلائق كان يعبد من دون الله شيئا إلا وهو مرفوع له يتبعه ، قال : فيلقى اليهود فيقول : من تعبدون؟ قال : فيقولون : نعبد عزيرا ، قال : فيقول : هل يسركم الماء؟ فيقولون نعم ، فيريهم جهنم وهي كهيئة سراب ، ثم قرأ ( وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ) ثم يلقى النصارى فيقول : من تعبدون؟ فيقولون : نعبد المسيح ، فيقول : هل يسركم الماء؟ فيقولون نعم ، قال : فيريهم جهنم وهي كهيئه السراب ، ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا ، ثم قرأ عبد الله ( وقفوهم إنهم مسئولون )