يقول تعالى ذكره : ولم يكن لصاحب هاتين الجنتين فئة ، وهم الجماعة ، كما قال عجاج :
كما يحوز الفئة الكمي
[ ص: 28 ]وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، وإن خالف بعضهم في العبارة عنه عبارتنا ، فإن معناهم نظير معنانا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى "ح" ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل : ( ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ) قال : عشيرته .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ) : أي جند ينصرونه ، وقوله : ( ينصرونه من دون الله ) يقول : يمنعونه من عقاب الله وعذاب الله إذا عاقبه وعذبه .
وقوله ( وما كان منتصرا ) يقول : ولم يكن ممتنعا من عذاب الله إذا عذبه .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما كان منتصرا ) : أي ممتنعا .
وقوله : ( هنالك الولاية لله الحق ) يقول عز ذكره : ثم وذلك حين حل عذاب الله بصاحب الجنتين في القيامة .
واختلفت القراء في قراءة قوله الولاية ، فقرأ بعض أهل المدينة والبصرة والكوفة ( هنالك الولاية ) بفتح الواو من الولاية ، يعنون بذلك : هنالك الموالاة لله ، كقول الله : ( الله ولي الذين آمنوا ) وكقوله : ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين ) يذهبون بها إلى الولاية في الدين . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( " هنالك الولاية " ) بكسر الواو : من الملك والسلطان ، من قول القائل : وليت عمل كذا ، أو بلدة كذا أليه ولاية .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ بكسر الواو ، وذلك أن الله عقب ذلك خبره عن ملكه وسلطانه ، وأن من أحل به نقمته يوم القيامة فلا ناصر له يومئذ ، فإتباع ذلك الخبر عن انفراده بالمملكة والسلطان أولى من الخبر عن الموالاة التي لم يجر لها ذكر ولا معنى ، لقول من قال : لا يسمى سلطان الله ولاية ، وإنما يسمى ذلك سلطان البشر ، لأن الولاية معناها أنه يلي أمر خلقه منفردا به دون جميع خلقه ، لا أنه يكون أميرا عليهم .
واختلفوا أيضا في قراءة قوله ( الحق ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والعراق خفضا ، على توجيهه إلى أنه من نعت الله ، وإلى أن معنى الكلام : هنالك الولاية لله الحق ألوهيته ، لا الباطل بطول ألوهيته التي يدعونها المشركون بالله آلهة ، وقرأ ذلك بعض أهل البصرة وبعض متأخري الكوفيين ( لله الحق ) برفع الحق توجيها منهما إلى أنه من نعت الولاية ، ومعناه : هنالك الولاية الحق ، لا الباطل لله وحده لا شريك له .
وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأه خفضا على أنه من نعت الله ، وأن معناه ما وصفت على قراءة من قرأه كذلك .
وقوله : ( هو خير ثوابا ) يقول عز ذكره : خير للمنيبين في العاجل والآجل ثوابا ( وخير عقبا ) يقول : وخيرهم عاقبة في الآجل إذا صار إليه المطيع له ، العامل بما أمره الله ، والمنتهي عما نهاه الله عنه ، والعقب هو العاقبة ، يقال : عاقبة أمر كذا وعقباه وعقبه ، وذلك آخره وما يصير إليه منتهاه .
وقد اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة ( عقبا ) بضم العين وتسكين القاف . [ ص: 30 ] والقول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .