يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن الموقن للمعاد إلى الله للكافر المرتاب في قيام الساعة : إن ترن أيها الرجل أنا أقل منك مالا وولدا في الدنيا ، فعسى ربي أن يرزقني خيرا من بستانك هذا ( ويرسل عليها ) يعني على جنة الكافر التي قال لها : ما أظن أن تبيد هذه أبدا ( حسبانا من السماء ) يقول : عذابا من السماء ترمي به رميا ، وتقذف . والحسبان : جمع حسبانة ، وهي المرامي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويرسل عليها حسبانا من السماء ) عذابا .
حدثت عن محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : عذابا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ويرسل عليها حسبانا من السماء ) قال : عذابا ، قال : الحسبان : قضاء من الله يقضيه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الحسبان : العذاب .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( حسبانا من السماء ) قال : عذابا .
وقوله : ( فتصبح صعيدا زلقا ) يقول عز ذكره : فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا ملساء لا شيء فيها ، قد ذهب كل ما فيها من غرس ونبت ، وعادت [ ص: 26 ] خرابا بلاقع ، زلقا ، لا يثبت في أرضها قدم لا ملساسها ، ودروس ما كان نابتا فيها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فتصبح صعيدا زلقا ) : أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس : ( فتصبح صعيدا زلقا ) قال : مثل الجرز .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد ، في قوله : ( فتصبح صعيدا زلقا ) قال : صعيدا زلقا وصعيدا جرزا واحد ليس فيها شيء من النبات .
وقوله : ( أو يصبح ماؤها غورا ) يقول : أو يصبح ماؤها غائرا ، فوضع الغور وهو مصدر مكان الغائر ، كما قال الشاعر :
تظل جياده نوحا عليه مقلدة أعنتها صفونا
بمعنى نائحة ، وكما قال الآخر :
هريقي من دموعهما سجاما ضباع وجاوبي نوحا قياما
والعرب توحد الغور مع الجمع والاثنين ، وتذكر مع المذكر والمؤنث ، تقول : ماء غور ، وماءان غور ومياه غور .
ويعني بقوله : ( غورا ) ذاهبا قد غار في الأرض ، فذهب فلا تلحقه الرشاء . [ ص: 27 ]
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أو يصبح ماؤها غورا ) أي ذاهبا قد غار في الأرض .
وقوله : ( فلن تستطيع له طلبا ) يقول : فلن تطيق أن تدرك الماء الذي كان في جنتك بعد غوره ، بطلبك إياه .