اختلفت القراء في قراءة قوله ( كسفا ) فقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة بسكون السين ، بمعنى : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، وذلك أن الكسف في كلام العرب : جمع كسفة ، وهو جمع الكثير من العدد للجنس ، كما تجمع السدرة بسدر ، والتمر بتمر ، فحكي عن العرب سماعا : أعطني كسفة من هذا الثوب : أي قطعة منه ، يقال منه : جاءنا بثريد كسف : أي قطع خبز ، وقد يحتمل إذا قرئ كذلك " كسفا " بسكون السين أن يكون مرادا به المصدر من كسف . فأما الكسف بفتح السين ، فإنه جمع ما بين الثلاث إلى العشر ، يقال : كسفة واحدة ، وثلاث كسف ، وكذلك إلى العشر ، وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض الكوفيين ( كسفا ) بفتح السين بمعنى : جمع الكسفة الواحدة من الثلاث إلى العشر ، يعني بذلك قطعا : ما بين الثلاث إلى العشر .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه بسكون السين ، لأن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، لم يقصدوا في مسألتهم إياه ذلك أن يكون بحد معلوم من القطع ، إنما سألوا أن يسقط عليهم من السماء قطعا ، وبذلك جاء التأويل أيضا عن أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( كسفا ) قال : السماء جميعا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله . [ ص: 551 ]
قال : قال ابن جريج عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قوله ( كما زعمت علينا كسفا ) قال : مرة واحدة ، والتي في الروم ( ويجعله كسفا ) قال : قطعا ، قال : كسفا لقول الله ( ابن جريج إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) قال : أي قطعا .
حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( كسفا ) يقول : قطعا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( كسفا ) قال : قطعا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) يعني قطعا .
القول في تأويل قوله تعالى : " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " .
يقول تعالى ذكره عن قيل من المشركين لنبي الله صلى الله عليه وسلم : أو تأتي بالله يا محمد والملائكة قبيلا .
واختلف أهل التأويل في معنى القبيل في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : حتى يأتي الله والملائكة كل قبيلة منا قبيلة قبيلة ، فيعاينونهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( والملائكة قبيلا ) قال : على حدتنا ، كل قبيلة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، قوله ( أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) قال : قبائل على حدتها كل قبيلة .
وقال آخرون : معنى ذلك : أو تأتي بالله والملائكة عيانا نقابلهم مقابلة ، فنعاينهم معاينة . [ ص: 552 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) نعاينهم معاينة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ( ابن جريج أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) فنعاينهم .
ووجهه بعض أهل العربية إلى أنه بمعنى الكفيل من قولهم : هو قبيل فلان بما لفلان عليه وزعيمه .
وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب ، القول الذي قاله قتادة من أنه بمعنى المعاينة ، من قولهم : قابلت فلانا مقابلة ، وفلان قبيل فلان ، بمعنى قبالته ، كما قال الشاعر :
نصالحكم حتى تبوءوا بمثلها كصرخة حبلى يسرتها قبيلها
يعني قابلتها . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول : إذا وصفوا بتقدير فعيل من قولهم قابلت ونحوها ، جعلوا لفظ صفة الاثنين والجميع [ ص: 553 ] من المؤنث والمذكر على لفظ واحد ، نحو قولهم : هذه قبيلي ، وهما قبيلي ، وهم قبيلي ، وهن قبيلي .