القول في تأويل قوله تعالى : ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ( 28 ) )
يقول تعالى ذكره : وإن تعرض يا محمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم إذا وجدت إليها السبيل بوجهك عند مسألتهم إياك ، ما لا تجد إليه سبيلا حياء منهم ورحمة لهم ( ابتغاء رحمة من ربك ) يقول : انتظار رزق تنتظره من عند ربك ، وترجو تيسير الله إياه لك ، فلا تؤيسهم ، ولكن قل لهم قولا ميسورا : يقول : ولكن عدهم وعدا جميلا بأن تقول : سيرزق الله فأعطيكم ، وما أشبه ذلك من القول اللين غير الغليظ ، كما قال جل ثناؤه ( وأما السائل فلا تنهر ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، عبد الرحمن ، [ ص: 431 ] عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) قال : انتظار الرزق ( فقل لهم قولا ميسورا ) قال : لينا تعدهم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، ابن عباس ( ابتغاء رحمة من ربك ) قال : رزق ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم ) .
حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا عمارة ، عن عكرمة ، في قوله ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) قال : انتظار رزق من الله يأتيك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عكرمة ، قوله ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) قال : إن سألوك فلم يجدوا عندك ما تعطيهم ابتغاء رحمة ، قال : رزق تنتظره ترجوه ( فقل لهم قولا ميسورا ) قال : عدهم عدة حسنة ، إذا كان ذلك ، إذا جاءنا ذلك فعلنا ، أعطيناكم ، فهو القول الميسور .
قال قال ابن جريج ، مجاهد : إن سألوك فلم يكن عندك ما تعطيهم ، فأعرضت عنهم ابتغاء رحمة ، قال : رزق تنتظره ( فقل لهم قولا ميسورا ) .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل ( ابتغاء رحمة من ربك ) قال : انتظار رزق الله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن عبيدة في قوله ( ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) قال : ابتغاء الرزق .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) قال : أي رزق تنتظره ( فقل لهم قولا ميسورا ) أي معروفا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن [ ص: 432 ] قتادة ( فقل لهم قولا ميسورا ) قال : عدهم خيرا . وقال الحسن : قل لهم قولا لينا وسهلا .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله ( وإما تعرضن عنهم ) يقول : لا تجد شيئا تعطيهم ( ابتغاء رحمة من ربك ) يقول : انتظار الرزق من ربك ، نزلت فيمن كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من المساكين .
حدثنا قال : ثني محمد بن المثنى ، حرمي بن عمارة ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثني عمارة ، عن عكرمة في قول الله ( فقل لهم قولا ميسورا ) قال : الرفق .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وإما تعرضن عنهم ) عن هؤلاء الذين أوصيناك بهم ( ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) إذا خشيت إن أعطيتهم أن يتقووا بها على معاصي الله عز وجل ، ويستعينوا بها عليها ، فرأيت أن تمنعهم خيرا ، فإذا سألوك ( فقل لهم قولا ميسورا ) قولا جميلا : رزقك الله ، بارك الله فيك .
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن زيد مع خلافه أقوال أهل التأويل في تأويل هذه الآية ، بعيد المعنى ، مما يدل عليه ظاهرها ، وذلك أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) فأمره أن يقول إذا كان إعراضه عن القوم الذين ذكرهم انتظار رحمة منه يرجوها من ربه ( قولا ميسورا ) وذلك الإعراض ابتغاء الرحمة ، لن يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من الله يرجوها لنفسه ، فيكون معنى الكلام كما قلناه ، وقال أهل التأويل الذين ذكرنا قولهم ، وخلاف قوله; أو يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من الله يرجوها للسائلين الذين أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بزعمه أن يمنعهم ما سألوه خشية عليهم من أن ينفقوه في معاصي الله ، فمعلوم أن سخط الله على من كان غير مأمون منه صرف ما أعطي من نفقة ليتقوى بها على طاعة الله في معاصيه ، أخوف من رجاء رحمته له ، وذلك [ ص: 433 ] أن رحمة الله إنما ترجى لأهل طاعته ، لا لأهل معاصيه ، إلا أن يكون أراد توجيه ذلك إلى أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بمنعهم ما سألوه ، لينيبوا من معاصي الله ، ويتوبوا بمنعه إياهم ما سألوه ، فيكون ذلك وجها يحتمله تأويل الآية ، وإن كان لقول أهل التأويل مخالفا .