القول في هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ( 30 ) ) تأويل قوله تعالى : (
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : ( هنالك تبلو كل نفس ) بالباء ، بمعنى : عند ذلك تختبر كل نفس ما قدمت من خير أو شر .
وكان ممن يقرؤه ويتأوله كذلك مجاهد . [ ص: 81 ]
17654 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) ، قال : تختبر .
17655 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
17656 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة وبعض أهل الحجاز : ( تتلو كل نفس ما أسلفت ) بالتاء .
واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله .
فقال بعضهم : معناه وتأويله : هنالك تتبع كل نفس ما قدمت في الدنيا لذلك اليوم .
وروي بنحو ذلك خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من وجه وسند غير مرتضى أنه قال : ، فيتبعونهم حتى يوردوهم النار . قال : ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله يوم القيامة .
وقال بعضهم : بل معناه : يتلو كتاب حسناته وسيئاته . يعني يقرأ ، كما قال جل ثناؤه : ( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) ، [ سورة الإسراء : 13 ] .
وقال آخرون : " تتلو " تعاين .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 82 ]
17657 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) قال : ما عملت . تتلو : تعاينه .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القراء ، وهما متقاربتا المعنى . وذلك أن من تبع في الآخرة ما أسلف من العمل في الدنيا ، هجم به على مورده ، فيخبر هنالك ما أسلف من صالح أو سيئ في الدنيا ، وإن من خبر من أسلف في الدنيا من أعماله في الآخرة ، فإنما يخبر بعد مصيره إلى حيث أحله ما قدم في الدنيا من علمه ، فهو في كلتا الحالتين متبع ما أسلف من عمله ، مختبر له ، فبأيتهما قرأ القارئ كما وصفنا ، فمصيب الصواب في ذلك .
وأما قوله : ( وردوا إلى الله مولاهم الحق ) فإنه يقول : ورجع هؤلاء المشركون يومئذ إلى الله الذي هو ربهم ومالكهم ، الحق لا شك فيه ، دون ما كانوا يزعمون أنهم لهم أرباب من الآلهة والأنداد ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) يقول : وبطل عنهم ما كانوا يتخرصون من الفرية والكذب على الله بدعواهم أوثانهم أنها لله شركاء ، وأنها تقربهم منه زلفى ، كما :
17658 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ) قال : ما كانوا [ ص: 83 ] يدعون معه من الأنداد والآلهة ، ما كانوا يفترون : الآلهة ، وذلك أنهم جعلوها أندادا وآلهة مع الله افتراء وكذبا .