قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : سأرعب قلوب الذين كفروا بي ، أيها المؤمنون ، منكم ، وأملأها فرقا حتى ينهزموا عنكم " فاضربوا فوق الأعناق " .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فوق الأعناق ) .
فقال بعضهم : معناه : فاضربوا الأعناق .
ذكر من قال ذلك :
15784 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : ( فاضربوا فوق الأعناق ) ، قال : اضربوا الأعناق .
15785 - . . . . قال ، حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن القاسم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله ، إنما بعثت لضرب الأعناق وشد الوثاق
15786 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فاضربوا فوق الأعناق ) ، يقول : اضربوا الرقاب .
واحتج قائلو هذه المقالة بأن العرب تقول : " رأيت نفس فلان " ، بمعنى : رأيته . قالوا : فكذلك قوله : ( فاضربوا فوق الأعناق ) ، إنما معناه : فاضربوا الأعناق .
وقال آخرون : بل معنى ذلك ، فاضربوا الرؤوس . [ ص: 430 ]
ذكر من قال ذلك :
15787 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا قال ، حدثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة : ( فاضربوا فوق الأعناق ) ، قال : الرؤوس .
واعتل قائلو هذه المقالة بأن الذي " فوق الأعناق " ، الرؤوس . قالوا : وغير جائز أن تقول : " فوق الأعناق " ، فيكون معناه : " الأعناق " . قالوا : ولو جاز ذلك ، جاز أن يقال " تحت الأعناق " ، فيكون معناه : " الأعناق " . قالوا : وذلك خلاف المعقول من الخطاب ، وقلب لمعاني الكلام .
وقال آخرون : معنى ذلك : فاضربوا على الأعناق ، وقالوا : " على " و" فوق " معناهما متقاربان ، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : أن الله أمر المؤمنين ، معلمهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف : أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل . وقوله : ( فوق الأعناق ) ، محتمل أن يكون مرادا به الرؤوس ، ومحتمل أن يكون مرادا له : من فوق جلدة الأعناق ، فيكون معناه : على الأعناق . وإذا احتمل ذلك ، صح قول من قال ، معناه : الأعناق . وإذا كان الأمر محتملا ما ذكرنا من التأويل ، لم يكن لنا أن نوجهه إلى بعض معانيه دون بعض ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، ولا حجة تدل على خصوصه ، فالواجب أن يقال : إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم ، أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا معه بدرا . [ ص: 431 ]
وأما قوله : ( واضربوا منهم كل بنان ) ، فإن معناه : واضربوا ، أيها المؤمنون ، من عدوكم كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم .
و" البنان " : جمع " بنانة " ، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين ، ومن ذلك قول الشاعر :
ألا ليتني قطعت مني بنانة ولاقيته في البيت يقظان حاذرا
[ ص: 432 ]يعني ب " البنانة " واحدة " البنان " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15788 - حدثنا أبو السائب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : ( واضربوا منهم كل بنان ) ، قال : كل مفصل .
15789 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : ( واضربوا منهم كل بنان ) ، قال : المفاصل .
15790 - . . . . قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( واضربوا منهم كل بنان ) ، قال : كل مفصل .
15791 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا قال ، حدثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة : ( واضربوا منهم كل بنان ) ، قال : الأطراف . ويقال : كل مفصل .
15792 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( واضربوا منهم كل بنان ) ، يعني : بالبنان ، الأطراف .
15793 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن قوله : ( ابن جريج واضربوا منهم كل بنان ) ، قال : الأطراف .
15794 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( واضربوا منهم كل بنان ) ، يعني : الأطراف . [ ص: 433 ]