[ ص: 7 ] القول في تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ( 101 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هذه القرى التي ذكرت لك ، يا محمد ، أمرها وأمر أهلها يعني : قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب " نقص عليك من أنبائها " فنخبرك عنها وعن أخبار أهلها ، وما كان من أمرهم وأمر رسل الله التي أرسلت إليهم ، لتعلم أنا ننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا على أعدائنا وأهل الكفر بنا ، ويعلم مكذبوك من قومك ما عاقبة أمر من كذب رسل الله ، فيرتدعوا عن تكذيبك ، وينيبوا إلى توحيد الله وطاعته " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات " ، يقول : ولقد جاءت أهل القرى التي قصصت عليك نبأها ، " رسلهم بالبينات " ، يعني بالحجج البينات " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " .
[ ثم ] اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معناه : فما كان هؤلاء المشركون الذين أهلكناهم من أهل القرى ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم بما كذبوا من قبل ذلك ، وذلك يوم أخذ ميثاقهم [ ص: 8 ] حين أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام .
ذكر من قال ذلك .
14901 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : " السدي فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " قال : ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها .
وقال آخرون : معنى ذلك : فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل ، بما سبق في علم الله أنهم يكذبون به يوم أخرجهم من صلب آدم عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
14902 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل : قال : كان في علمه يوم أقروا له بالميثاق .
14903 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال ، يحق على العباد أن يأخذوا من العلم ما أبدى لهم ربهم والأنبياء ، ويدعوا علم ما أخفى الله عليهم ، فإن علمه نافذ فيما كان وفيما يكون ، وفي ذلك قال : " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " ، قال : نفذ علمه فيهم ، أيهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في زمان آدم . وتصديق ذلك حيث قال لنوح : اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ، [ هود : 48 ] ، وقال في ذلك : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) ، [ الأنعام : 28 ] ، وفي ذلك قال : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ الإسراء : 15 ] ، [ ص: 9 ] وفي ذلك قال : لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ النساء : 165 ] ، ولا حجة لأحد على الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : "فما كانوا " لو أحييناهم بعد هلاكهم ومعاينتهم ما عاينوا من عذاب الله ، " ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " هلاكهم ، كما قال جل ثناؤه : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) .
ذكر من قال ذلك :
14904 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " بما كذبوا من قبل " ، قال : كقوله : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) .
قال أبو جعفر : وأشبه هذه الأقوال بتأويل الآية وأولاها بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن أبي بن كعب والربيع . وذلك أن من سبق في علم الله تبارك وتعالى أنه لا يؤمن به ، فلن يؤمن أبدا ، وقد كان سبق في علم الله تبارك وتعالى لمن هلك من الأمم التي قص نبأهم في هذه السورة ، أنه لا يؤمن أبدا ، فأخبر جل ثناؤه عنهم ، أنهم لم يكونوا ليؤمنوا بما هم به مكذبون في سابق علمه ، قبل مجيء الرسل وعند مجيئهم إليهم . ولو قيل تأويله : فما كان هؤلاء الذين ورثوا الأرض ، يا محمد ، من مشركي قومك من بعد أهلها ، الذين كانوا بها من عاد وثمود ، ليؤمنوا بما كذب به الذين ورثوها عنهم من توحيد الله ووعده ووعيده كان وجها ومذهبا ، غير أني لا أعلم قائلا قاله ممن يعتمد على علمه بتأويل القرآن .
وأما الذي قاله مجاهد من أن معناه : لو ردوا ما كانوا ليؤمنوا فتأويل [ ص: 10 ] لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا من خبر عن الرسول صحيح . وإذا كان ذلك كذلك ، فأولى منه بالصواب ما كان عليه من ظاهر التنزيل دليل .
وأما قوله : " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " ، فإنه يقول تعالى ذكره : كما طبع الله على قلوب هؤلاء الذين كفروا بربهم وعصوا رسله من هذه الأمم التي قصصنا عليك نبأهم ، يا محمد ، في هذه السورة ، حتى جاءهم بأس الله فهلكوا به " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " ، الذين كتب عليهم أنهم لا يؤمنون أبدا من قومك .