القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28978_32516_28675_19775تأويل قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين ( 56 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها " ، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها ، وذلك هو الفساد فيها .
وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى ، وبينا معناه بشواهده .
" بعد إصلاحها " يقول : بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته ، بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق ، وإيضاحه حججه لهم "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56وادعوه خوفا وطمعا " ، يقول : وأخلصوا له الدعاء والعمل ، ولا تشركوا في عملكم له شيئا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك ، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفا من عقابه ، وطمعا في ثوابه . وإن من كان دعاؤه إياه على غير ذلك ، فهو بالآخرة من المكذبين ، لأن من لم يخف عقاب الله ولم يرج ثوابه ، لم يبال ما ركب من أمر يسخطه الله ولا يرضاه "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إن رحمة الله قريب من المحسنين " ، يقول تعالى ذكره : إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا ، قريب منهم ، وذلك هو رحمته ،
[ ص: 488 ] لأنه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعد لهم من كرامته إلا أن تفارق أرواحهم أجسادهم .
ولذلك من المعنى ذكر قوله : " قريب " ، وهو من خبر " الرحمة " ، و " الرحمة " مؤنثة ، لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النسب ، والأوقات بذلك المعنى إذا وقعت أخبارا للأسماء ، أجرتها العرب مجرى الحال ، فوحدتها مع الواحد والاثنين والجميع ، وذكرتها مع المؤنث ، فقالوا : " كرامة الله بعيد من فلان " ، و " هي قريب من فلان " ، كما يقولون : " هند قريب منا " ، و " الهندان منا قريب " ، و " الهندات منا قريب " ، لأن معنى ذلك : هي في مكان قريب منا . فإذا حذفوا المكان وجعلوا " القريب " خلفا منه ، ذكروه ووحدوه في الجمع ، كما كان المكان مذكرا وموحدا في الجمع . وأما إذا أنثوه ، أخرجوه مثنى مع الاثنين ، ومجموعا مع الجميع ، فقالوا : " هي قريبة منا " ، و " هما منا قريبتان " ، كما قال
عروة [ بن الورد ] :
عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ، ولا عفراء منك بعيد
فأنث " قريبة " ، وذكر " بعيدا " ، على ما وصفت . ولو كان " القريب " ، من " القرابة " في النسب ، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثا ، ومع الجميع إلا مجموعا .
[ ص: 489 ]
وكان بعض نحويي
البصرة يقول : ذكر " قريب " وهو صفة ل " الرحمة " ، وذلك كقول العرب : " ريح خريق " ، و " ملحفة جديد " ، و " شاة سديس " . قال : وإن شئت قلت : تفسير " الرحمة " هاهنا ، المطر ونحوه ، فلذلك ذكر ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=87وإن كان طائفة منكم آمنوا ) ، [ سورة الأعراف : 87 ] ، فذكر ، لأنه أراد الناس . وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث ، كقول الشاعر :
ولا أرض أبقل إبقالها
وقد أنكر ذلك من قيله بعض أهل العربية ، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكر " قريبا " ، توجيها منه للرحمة إلى معنى المطر ، أن يقول : " هند قام " ، توجيها منه ل " هند " وهي امرأة ، إلى معنى : " إنسان " ، ورأى أن ما شبه به قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إن رحمة الله قريب من المحسنين " ، بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=87وإن كان طائفة منكم آمنوا " ، غير مشبهه . وذلك أن " الطائفة " فيما زعم مصدر ، بمعنى " الطيف " ، كما " الصيحة " و " الصياح " ، بمعنى ، ولذلك قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وأخذ الذين ظلموا الصيحة ) ، [ سورة هود : 67 ] .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28978_32516_28675_19775تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ( 56 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا " ، لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَلَا تَعْصُوهُ فِيهَا ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَسَادُ فِيهَا .
وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى ، وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ بِشَوَاهِدِهِ .
" بَعْدَ إِصْلَاحِهَا " يَقُولُ : بَعْدَ إِصْلَاحِ اللَّهِ إِيَّاهَا لِأَهْلِ طَاعَتِهِ ، بِابْتِعَاثِهِ فِيهِمُ الرُّسُلَ دُعَاةً إِلَى الْحَقِّ ، وَإِيضَاحِهِ حُجَجَهُ لَهُمْ "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا " ، يَقُولُ : وَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ وَالْعَمَلَ ، وَلَا تُشْرِكُوا فِي عَمَلِكُمْ لَهُ شَيْئًا غَيْرَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلْيَكُنْ مَا يَكُونُ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ ، وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ . وَإِنَّ مَنْ كَانَ دُعَاؤُهُ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَهُوَ بِالْآخِرَةِ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَخَفْ عِقَابَ اللَّهِ وَلَمْ يَرْجُ ثَوَابَهُ ، لَمْ يُبَالِ مَا رَكِبَ مَنْ أَمْرٍ يَسْخَطُهُ اللَّهُ وَلَا يَرْضَاهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ ثَوَابَ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ الْمُحْسِنِينَ عَلَى إِحْسَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، قَرِيبٌ مِنْهُمْ ، وَذَلِكَ هُوَ رَحْمَتُهُ ،
[ ص: 488 ] لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَصِيرُوا إِلَى ذَلِكَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ إِلَّا أَنْ تُفَارِقَ أَرْوَاحُهُمْ أَجْسَادَهُمْ .
وَلِذَلِكَ مِنَ الْمَعْنَى ذَكَّرَ قَوْلَهُ : " قَرِيبٌ " ، وَهُوَ مِنْ خَبَرِ " الرَّحْمَةِ " ، وَ " الرَّحْمَةُ " مُؤَنَّثَةٌ ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْقُرْبُ فِي الْوَقْتِ لَا فِي النَّسَبِ ، وَالْأَوْقَاتُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى إِذَا وَقَعَتْ أَخْبَارًا لِلْأَسْمَاءِ ، أَجْرَتْهَا الْعَرَبُ مَجْرَى الْحَالِ ، فَوَحَّدَتْهَا مَعَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ ، وَذَكَّرَتْهَا مَعَ الْمُؤَنَّثِ ، فَقَالُوا : " كَرَامَةُ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنْ فُلَانٍ " ، وَ " هِيَ قَرِيبٌ مِنْ فُلَانٍ " ، كَمَا يَقُولُونَ : " هِنْدُ قَرِيبٌ مِنَّا " ، وَ " الْهِنْدَانِ مِنَّا قَرِيبٌ " ، وَ " الْهِنْدَاتُ مِنَّا قَرِيبٌ " ، لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : هِيَ فِي مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَّا . فَإِذَا حَذَفُوا الْمَكَانَ وَجَعَلُوا " الْقَرِيبَ " خَلَفًا مِنْهُ ، ذَكَّرُوهُ وَوَحَّدُوهُ فِي الْجَمْعِ ، كَمَا كَانَ الْمَكَانُ مُذَكَّرًا وَمُوَحَّدًا فِي الْجَمْعِ . وَأَمَّا إِذَا أَنَّثُوهُ ، أَخْرَجُوهُ مُثَنًّى مَعَ الِاثْنَيْنِ ، وَمَجْمُوعًا مَعَ الْجَمِيعِ ، فَقَالُوا : " هِيَ قَرِيبَةٌ مِنَّا " ، وَ " هُمَا مِنَّا قَرِيبَتَانِ " ، كَمَا قَالَ
عُرْوَةُ [ بْنُ الْوَرْدِ ] :
عَشِيَّةَ لَا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبَةٌ فَتَدْنُو ، وَلَا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدُ
فَأَنَّثَ " قَرِيبَةً " ، وَذَكَّرَ " بَعِيدًا " ، عَلَى مَا وَصَفْتُ . وَلَوْ كَانَ " الْقَرِيبُ " ، مِنَ " الْقَرَابَةِ " فِي النَّسَبِ ، لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُؤَنَّثِ إِلَّا مُؤَنَّثًا ، وَمَعَ الْجَمِيعِ إِلَّا مَجْمُوعًا .
[ ص: 489 ]
وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ يَقُولُ : ذَكَّرَ " قَرِيبٌ " وَهُوَ صِفَةٌ لِ " الرَّحْمَةِ " ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ : " رِيحٌ خَرِيقٌ " ، وَ " مِلْحَفَةٌ جَدِيدٌ " ، وَ " شَاةٌ سَدِيسٌ " . قَالَ : وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : تَفْسِيرُ " الرَّحْمَةِ " هَاهُنَا ، الْمَطَرُ وَنَحْوُهُ ، فَلِذَلِكَ ذُكِّرَ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=87وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا ) ، [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 87 ] ، فَذَكَّرَ ، لِأَنَّهُ أَرَادَ النَّاسَ . وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ كَبَعْضِ مَا يُذَكِّرُونَ مِنَ الْمُؤَنَّثِ ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَرَأَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِنْ جَازَ أَنْ يُذَكِّرَ " قَرِيبًا " ، تَوْجِيهًا مِنْهُ لِلرَّحْمَةِ إِلَى مَعْنَى الْمَطَرِ ، أَنْ يَقُولَ : " هِنْدُ قَامَ " ، تَوْجِيهًا مِنْهُ لِ " هِنْدَ " وَهِيَ امْرَأَةٌ ، إِلَى مَعْنَى : " إِنْسَانٍ " ، وَرَأَى أَنَّ مَا شَبَّهَ بِهِ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " ، بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=87وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا " ، غَيْرُ مُشْبِهِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ " الطَّائِفَةَ " فِيمَا زَعَمَ مَصْدَرٌ ، بِمَعْنَى " الطَّيْفِ " ، كَمَا " الصَّيْحَةُ " وَ " الصِّيَاحُ " ، بِمَعْنًى ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ) ، [ سُورَةُ هُودٍ : 67 ] .