قال أبو جعفر : قد مضى البيان عن تأويل اسم الله الذي هو "الله " ، في " بسم الله " ، فلا حاجة بنا إلى تكراره في هذا الموضع .
وأما تأويل قوله ( رب ) ، فإن الرب في كلام العرب منصرف على معان : فالسيد المطاع فيها يدعى ربا ، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة :
وأهلكن يوما رب كندة وابنه ورب معد ، بين خبت وعرعر
يعني برب كندة : سيد كندة . ومنه قول نابغة بني ذبيان :
تخب إلى النعمان حتى تناله فدى لك من رب طريفي وتالدي
والرجل المصلح للشيء يدعى ربا ، ومنه قول : [ ص: 142 ] الفرزدق بن غالب
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت سلاءها في أديم غير مربوب
يعني بذلك : في أديم غير مصلح . ومن ذلك قيل : إن فلانا يرب صنيعته عند فلان; إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها ، ومن ذلك قول علقمة بن عبدة :
فكنت امرأ أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني ، فضعت ، ربوب
يعني بقوله : "أفضت إليك " أي وصلت إليك ربابتي ، فصرت أنت الذي ترب أمري فتصلحه ، لما خرجت من ربابة غيرك من الملوك الذين كانوا قبلك علي ، فضيعوا أمري وتركوا تفقده - وهم الربوب : واحدهم رب . والمالك للشيء يدعى ربه . وقد يتصرف أيضا معنى "الرب " في وجوه غير ذلك ، غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة .
فربنا جل ثناؤه : السيد الذي لا شبه له ، ولا مثل في سؤدده ، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه ، والمالك الذي له الخلق والأمر .
وبنحو الذي قلنا في ) ، جاءت الرواية عن تأويل قوله جل ثناؤه ( رب العالمين ابن عباس : -
155 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا [ ص: 143 ] بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد : "يا محمد قل : ( الحمد لله رب العالمين ) " ، قال ابن عباس : يقول : قل الحمد لله الذي له الخلق كله - السموات كلهن ومن فيهن ، والأرضون كلهن ومن فيهن وما بينهن ، مما يعلم ومما لا يعلم . يقول : اعلم يا محمد أن ربك هذا لا يشبهه شيء .