قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : " " . فقرأ ذلك بعض أهل هذا يوم ينفع الصادقين الحجاز والمدينة : ( هذا يوم ينفع الصادقين ) ، بنصب " يوم " .
وقرأه بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة ، وعامة قرأة أهل العراق : هذا يوم ينفع الصادقين ، برفع " يوم " . فمن رفعه رفعه ب " هذا " وجعل " يوم " اسما ، وإن كانت إضافته غير محضة ، لأنه قد صار كالمنعوت . [ ص: 242 ] وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل " اليوم " و " الليلة " عملهم فيما بعدها . إن كان ما بعدها رفعا رفعوها ، كقولهم : " هذا يوم يركب الأمير " و " ليلة يصدر الحاج " و " يوم أخوك منطلق " . وإن كان ما بعدها نصبا نصبوها ، وذلك كقولهم : " هذا يوم خرج الجيش ، وسار الناس " و " ليلة قتل زيد " ونحو ذلك ، وإن كان معناها في الحالين " إذ " و " إذا " .
وكأن من قرأ هذا هكذا رفعا ، وجه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة .
وكذلك كان يقول في ذلك . السدي
13039 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن قال الله : " السدي هذا يوم ينفع الصادقين " هذا فصل من كلام عيسى ، وهذا يوم القيامة .
يعني بقوله : " هذا فصل من كلام السدي عيسى " : أن قوله : " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " إلى قوله : " فإنك أنت العزيز الحكيم " من خبر الله عز وجل عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه ، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة .
وأما النصب في ذلك ، فإنه يتوجه من وجهين :
أحدهما : أن إضافة " يوم " ما لم تكن إلى اسم ، تجعله نصبا ، لأن الإضافة غير محضة ، وإنما تكون الإضافة محضة ، إذا أضيف إلى اسم صحيح . ونظير " اليوم " في ذلك : " الحين " و " الزمان " وما أشبههما من الأزمنة ، كما قال النابغة :
[ ص: 243 ]
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما تصح والشيب وازع؟
والوجه الآخر : أن يكون مرادا بالكلام : هذا الأمر وهذا الشأن ، يوم ينفع الصادقين فيكون " اليوم " حينئذ منصوبا على الوقت والصفة ، بمعنى : هذا الأمر في يوم ينفع الصادقين صدقهم .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : ( هذا يوم ينفع الصادقين ) ، بنصب " اليوم " على أنه منصوب على الوقت والصفة . لأن معنى الكلام : إن الله جل و - تعالى ذكره - أجاب عيسى حين قال : " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته " إلى قوله : " فإنك أنت العزيز الحكيم " فقال له عز وجل : هذا القول النافع أو هذا الصدق النافع يوم ينفع الصادقين صدقهم . ف " اليوم " وقت القول والصدق النافع .
فإن قال قائل : فما موضع " هذا " ؟
قيل : رفع .
فإن قال : فأين رافعه؟ [ ص: 244 ]
قيل : مضمر . وكأنه قال : قال الله عز وجل : هذا ، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، كما قال الشاعر :
أما ترى السحاب كيف يجري ؟ هذا ، ولا خيلك يا ابن بشر
يريد : هذا هذا ، ولا خيلك .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام ، إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بينا : قال الله لعيسى : هذا القول النافع في يوم " ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك ، في الآخرة عند الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار " يقول : للصادقين في الدنيا ، جنات تجري من تحتها الأنهار في الآخرة ، ثوابا لهم من الله عز وجل على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه ، فوفوا به لله ، فوفى الله عز وجل لهم ما وعدهم من ثوابه " خالدين فيها أبدا " يقول : باقين في الجنات التي أعطاهموها " أبدا " دائما ، لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول .
وقد بينا فيما مضى أن معنى " الخلود " الدوام والبقاء .