[ ص: 138 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : فأصلحوها ، واعملوا في خلاصها من عقاب الله - تعالى ذكره - ، وانظروا لها فيما يقربها من ربها ، فإنه " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل " يقول : لا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق ، إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم ، وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، فحرمتم حرامه وحللتم حلاله .
ونصب قوله : " أنفسكم " بالإغراء ، والعرب تغري من الصفات ب " عليك " و " عندك " و " دونك " و " إليك " .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم معناه : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم .
ذكر من قال ذلك :
12848 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن : أن هذه الآية قرئت على ابن مسعود : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال ابن مسعود : " ليس هذا بزمانها ، قولوها ما قبلت منكم ، فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم " . [ ص: 139 ]
12849 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن قال : ذكر عند ابن مسعود " يا أيها الذين آمنوا " ثم ذكر نحوه .
12850 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا ، عن ابن علية يونس ، عن الحسن قال : قال رجل : ألم يقل الله : " لابن مسعود يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ؟ قال : ليس هذا بزمانها ، قولوها ما قبلت منكم ، فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم .
12851 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا شبابة بن سوار قال : حدثنا الربيع بن صبيح ، عن سفيان بن عقال قال : قيل : لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فإن الله - تعالى ذكره - يقول : " لابن عمر عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ؟ فقال ابن عمر : إنها ليست لي ولا لأصحابي ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ، فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم . [ ص: 140 ] " ألا فليبلغ الشاهد الغائب "
12852 - حدثنا قال : حدثنا أحمد بن المقدام المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي قال : حدثنا قتادة ، عن أبي مازن قال : انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة ، فإذا قوم من المسلمين جلوس ، فقرأ أحدهم هذه الآية : " عليكم أنفسكم " فقال أكثرهم : لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم .
12853 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عمرو بن عاصم قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أبي مازن ، بنحوه .
12854 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا حدثنا عوف ، عن سوار بن شبيب قال : كنت عند ابن عمر ، إذ أتاه رجل جليد في العين ، شديد اللسان ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه ، وكلهم مجتهد لا يألو ، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة ، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم : وأي دناءة تريد ، أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! قال : فقال الرجل : إني لست إياك أسأل ، أنا أسأل الشيخ! فأعاد على عبد الله [ ص: 141 ] الحديث ، فقال عبد الله بن عمر : لعلك ترى لا أبالك ، إني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! عظهم وانههم ، فإن عصوك فعليك بنفسك ، فإن الله تعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون " .
12855 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن : أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال : إن هذا ليس بزمانها ، إنها اليوم مقبولة ، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا أو قال : فلا يقبل منكم فحينئذ : عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل " .
12856 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن رجل قال : كنت في خلافة عثمان بالمدينة ، في حلقة ، فيهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا فيهم شيخ يسندون إليه ، فقرأ رجل : [ ص: 142 ] " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال الشيخ : إنما تأويلها آخر الزمان .
12857 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة قال : حدثنا أبو مازن ، رجل من صالحي الأزد من بني الحدان ، قال : انطلقت في حياة عثمان إلى المدينة ، فقعدت إلى حلقة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقرأ رجل من القوم هذه الآية " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال فقال رجل من أسن القوم : دع هذه الآية ، فإنما تأويلها في آخر الزمان .
12858 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا ابن فضالة ، عن معاوية بن صالح ، عن قال : كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإني لأصغر القوم ، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقلت أنا : أليس الله يقول في كتابه : " جبير بن نفير يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ؟ فأقبلوا علي بلسان واحد وقالوا : أتنتزع بآية من القرآن لا تعرفها ، ولا تدري ما تأويلها!! حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت . ثم أقبلوا يتحدثون ، فلما حضر قيامهم قالوا : " إنك غلام [ ص: 143 ] حدث السن ، وإنك نزعت بآية لا تدري ما هي ، وعسى أن تدرك ذلك الزمان ، إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
12859 - حدثنا هناد قال : حدثنا ليث بن هارون قال : حدثنا إسحاق الرازي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن في قوله : " عبد الله بن مسعود يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون " قال : كانوا عند جلوسا ، فكان بين رجلين ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، فقال رجل من جلساء عبد الله بن مسعود عبد الله : ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه : عليك بنفسك ، فإن الله تعالى يقول : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ! قال : فسمعها ابن مسعود فقال : مه ، لما يجئ تأويل هذه بعد! إن القرآن أنزل حيث أنزل ، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ، ومنه ما وقع تأويلهن [ ص: 144 ] على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنه آي وقع تأويلهن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير ، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة ، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار ، فما دامت قلوبكم واحدة ، وأهواؤكم واحدة ، ولم تلبسوا شيعا ، ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا . فإذا اختلفت القلوب والأهواء ، وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فامرؤ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية .
12860 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن أبي جعفر الرازي الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن ابن مسعود : أنه كان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس ، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه ، ثم ذكر نحوه .
12861 - حدثني قال : حدثنا أحمد بن المقدام حرمي . . . . . . . . . قال : سمعت الحسن يقول : تأول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال بعض [ ص: 145 ] أصحابه : دعوا هذه الآية ، فليست لكم .
12862 - حدثني إسماعيل بن إسرائيل اللآل الرملي قال : حدثنا أيوب بن سويد قال : حدثنا عتبة بن أبي حكيم ، عن عمرو بن جارية اللخمي ، عن أبي أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " فقال : لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أبا ثعلبة ، ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، فإذا رأيت دنيا مؤثرة ، وشحا مطاعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك نفسك! إن من بعدكم أيام الصبر ، للمتمسك يومئذ بمثل الذي أنتم عليه كأجر خمسين عاملا! قالوا : يا رسول الله ، كأجر خمسين عاملا منهم؟ قال : لا كأجر خمسين عاملا منكم . [ ص: 146 ]
12863 - حدثنا علي بن سهل قال : أخبرنا ، عن الوليد بن مسلم ابن المبارك وغيره ، عن عتبة بن أبي حكيم ، عن عمرو بن جارية اللخمي ، أبي أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني : كيف نصنع بهذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ؟ فقال أبو ثعلبة : سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخويصة نفسك ، وذر عوامهم ، فإن وراءكم أياما أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم . عن
وقال آخرون : معنى ذلك أن العبد إذا عمل بطاعة الله لم يضره من ضل بعده وهلك . [ ص: 147 ]
ذكر من قال ذلك :
12864 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل " يقول : إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته من الحلال والحرام ، فلا يضره من ضل بعد ، إذا عمل بما أمرته به .
12865 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " يقول : أطيعوا أمري ، واحفظوا وصيتي .
12866 - حدثنا هناد قال : حدثنا ليث بن هارون قال : حدثنا إسحاق الرازي ، عن ، عن أبي جعفر الرازي صفوان بن الجون قال : دخل عليه شاب من أصحاب الأهواء ، فذكر شيئا من أمره ، فقال صفوان : ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه؟ " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل " الآية .
12867 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال : حدثنا أبو المطرف المخزومي قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ما لم يكن سيف أو سوط . [ ص: 148 ]
12868 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة قال : تلا الحسن هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال الحسن : الحمد لله بها ، والحمد لله عليها ، ما كان مؤمن فيما مضى ، ولا مؤمن فيما بقي ، إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " فاعملوا بطاعة الله " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر .
ذكر من قال ذلك :
12869 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ، عن حكام بن سلم عنبسة ، عن سعد البقال ، عن : " سعيد بن المسيب لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
12870 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن ، عن أبي العميس أبي البختري ، عن حذيفة : " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال : إذا أمرتم ونهيتم .
12871 - حدثنا هناد قال : حدثنا وحدثنا وكيع ابن وكيع قال : حدثنا أبي عن ابن أبي خالد ، عن قال : قال قيس بن أبي حازم أبو بكر : تقرءون هذه الآية : " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " وإن الناس إذا رأوا الظالم قال ابن وكيع فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقابه . [ ص: 149 ]
12872 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير وابن فضيل ، عن بيان ، عن قيس قال : قال أبو بكر : إنكم تقرءون هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " وإن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، يعمهم الله بعقابه .
12873 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن أبي بكر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر نحوه .
12874 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن قوله : " السدي يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " يقول : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، قال أبو بكر بن أبي قحافة : يا أيها الناس لا تغتروا بقول الله : " عليكم أنفسكم " فيقول أحدكم : علي نفسي ، والله لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر ، أو ليستعملن عليكم شراركم ، فليسومنكم سوء العذاب ، ثم ليدعوا الله خياركم ، فلا يستجيب لهم . [ ص: 150 ]
12875 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن فضيل قال : حدثنا بيان ، عن قال : قال قيس بن أبي حازم أبو بكر وهو على المنبر : يا أيها الناس ، إنكم تقرءون هذه الآية على غير موضعها : " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، عمهم الله بعقابه .
12876 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثني عيسى بن المسيب البجلي قال : حدثنا قال : سمعت قيس بن أبي حازم رضي الله عنه يقرأ هذه الآية : " أبا بكر الصديق يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه ، والظالم فلم يأخذوا على يديه ، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب
12877 - حدثنا الربيع قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا سعيد بن سالم قال : حدثنا منصور بن دينار ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن قال : صعد قيس بن أبي حازم أبو بكر المنبر منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس ، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدونها رخصة ، والله ما أنزل الله في كتابه أشد منها : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، [ ص: 151 ] أو ليعمنكم الله منه بعقاب .
12878 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار إسحاق بن إدريس قال : حدثنا سعيد بن زيد قال : حدثنا ، عن مجالد بن سعيد قال : سمعت قيس بن أبي حازم أبا بكر يقول وهو يخطب الناس : يا أيها الناس ، إنكم تقرءون هذه الآية ولا تدرون ما هي؟ : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه ، عمهم الله بعقاب .
وقال آخرون : بل معنى هذه الآية : لا يضركم من حاد عن قصد السبيل وكفر بالله من أهل الكتاب . [ ص: 152 ]
ذكر من قال ذلك :
12879 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال : يعني من ضل من أهل الكتاب .
12880 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية : " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال : أنزلت في أهل الكتاب .
وقال آخرون : عنى بذلك كل من ضل عن دين الله الحق .
ذكر من قال ذلك :
12881 - حدثني قال : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال : كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك وضللتهم ، وفعلت وفعلت ، وجعلت آباءك كذا وكذا! كان ينبغي لك أن تنصرهم ، وتفعل!
فقال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال وأصح التأويلات عندنا بتأويل هذه الآية ، ما روي عن رضي الله عنه فيها ، وهو : " أبي بكر الصديق يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " الزموا العمل بطاعة الله وبما أمركم به ، وانتهوا عما نهاكم الله عنه " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " يقول : فإنه لا يضركم ضلال من ضل إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله ، وأديتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم [ ص: 153 ] الله به فيه ، من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه ، والأخذ على يديه إذا رام ظلما لمسلم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك ، ولا ضير عليكم في تماديه في غيه وضلاله ، إذا أنتم اهتديتم وأديتم حق الله - تعالى ذكره - فيه .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات في ذلك بالصواب ، لأن الله - تعالى ذكره - أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط ، ويتعاونوا على البر والتقوى . ومن القيام بالقسط ، الأخذ على يد الظالم . ومن التعاون على البر والتقوى ، الأمر بالمعروف . وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولو كان للناس ترك ذلك ، لم يكن للأمر به معنى ، إلا في الحال التي رخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك ذلك ، وهي حال العجز عن القيام به بالجوارح الظاهرة ، فيكون مرخصا له تركه ، إذا قام حينئذ بأداء فرض الله عليه في ذلك بقلبه .
وإذا كان ما وصفنا من التأويل بالآية أولى ، فبين أنه قد دخل في معنى قوله : " إذا اهتديتم " ما قاله حذيفة من أن ذلك : " إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر " ومعنى ما رواه وسعيد بن المسيب أبو ثعلبة الخشني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .