القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_29706_18984_31951nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )
قال
أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن جرأة
اليهود على ربهم ، ووصفهم إياه بما ليس من صفته ، توبيخا لهم بذلك ، وتعريفا منه نبيه صلى الله عليه وسلم قديم جهلهم واغترارهم به ، وإنكارهم جميع جميل أياديه عندهم ، وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم إجرامهم واحتجاجا لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم بأنه له نبي مبعوث ورسول مرسل : أن كانت هذه الأنباء التي أنبأهم بها كانت من خفي علومهم ومكنونها التي لا يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من
اليهود ، فضلا عن الأمة الأمية من العرب الذين لم يقرأوا كتابا ، ووعوا من علوم أهل الكتاب علما ، فأطلع الله على ذلك نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم ، ليقرر عندهم صدقه ، ويقطع بذلك حجتهم .
يقول تعالى ذكره : "وقالت اليهود " ، من بني إسرائيل"يد الله مغلولة " ، يعنون : أن خير الله ممسك وعطاؤه محبوس عن الاتساع عليهم ، كما قال تعالى
[ ص: 451 ] ذكره في تأديب نبيه صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) [ سورة الإسراء : 29 ] .
وإنما وصف تعالى ذكره"اليد " بذلك ، والمعنى العطاء ، لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم . فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضا ، إذا وصفوه بجود وكرم ، أو ببخل وشح وضيق ، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه ، كما قال الأعشى في مدح رجل :
يداك يدا مجد ، فكف مفيدة وكف إذا ما ضن بالزاد تنفق
فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى"اليد" . ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى . فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم فقال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، يعني بذلك : أنهم قالوا : إن الله يبخل علينا ، ويمنعنا فضله فلا يفضل كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف ، تعالى الله عما قالوا ، أعداء الله!
[ ص: 452 ] فقال الله مكذبهم ومخبرهم بسخطه عليهم : "غلت أيديهم " ، يقول : أمسكت أيديهم عن الخيرات ، وقبضت عن الانبساط بالعطيات" ولعنوا بما قالوا " ، وأبعدوا من رحمة الله وفضله بالذي قالوا من الكفر ، وافتروا على الله ووصفوه به من الكذب والإفك
"بل يداه مبسوطتان " ، يقول : بل يداه مبسوطتان بالبذل والإعطاء وأرزاق عباده وأقوات خلقه ، غير مغلولتين ولا مقبوضتين "ينفق كيف يشاء " ، يقول : يعطي هذا ، ويمنع هذا فيقتر عليه .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
12242 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
عبد الله بن صالح قال ، حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " ، قال : ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة ، ولكنهم يقولون : إنه بخيل أمسك ما عنده ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
12243 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
أبو عاصم قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة " ، قالوا : لقد تجهدنا الله يا بني إسرائيل ، حتى
[ ص: 453 ] جعل الله يده إلى نحره! وكذبوا !
12244 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة " ، قال : اليهود تقوله : لقد تجهدنا الله يا بني إسرائيل ويا أهل الكتاب ، حتى إن يده إلى نحره "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " .
12245 - حدثنا
بشر قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " إلى "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64والله لا يحب المفسدين " ، أما قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة " ، قالوا : الله بخيل غير جواد! قال الله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " .
12246 - حدثنا
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن مفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " ، قالوا : إن الله وضع يده على صدره ، فلا يبسطها حتى يرد علينا ملكنا .
وأما قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64ينفق كيف يشاء " ، يقول : يرزق كيف يشاء .
12247 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، قال
عكرمة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة " الآية ، نزلت في
فنحاص اليهودي .
12248 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثنا
أبو تميلة ، عن
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك بن مزاحم قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يد الله مغلولة " ، يقولون : إنه
[ ص: 454 ] بخيل ليس بجواد ! قال الله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غلت أيديهم " ، أمسكت أيديهم عن النفقة والخير . ثم قال يعني نفسه : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) [ سورة الإسراء : 29 ] ، يقول : لا تمسك يدك عن النفقة .
قال
أبو جعفر : واختلف أهل الجدل في
nindex.php?page=treesubj&link=28976_29716تأويل قوله : " nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان " . فقال بعضهم : عنى بذلك : نعمتاه . وقال : ذلك بمعنى : " يد الله على خلقه " ، وذلك نعمه عليهم . وقال : إن العرب تقول : " لك عندي يد " ، يعنون بذلك : نعمة .
وقال آخرون منهم : عنى بذلك القوة . وقالوا : ذلك نظير قول الله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=45واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي ) [ سورة ص : 45 ] .
وقال آخرون منهم : بل"يده " ، ملكه . وقال : معنى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، ملكه وخزائنه .
قالوا : وذلك كقول العرب للمملوك : "هو ملك يمينه " ، و"فلان بيده عقدة نكاح فلانة " ، أي يملك ذلك ، وكقول الله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) ، [ سورة المجادلة : 12 ] .
وقال آخرون منهم : بل"يد الله " صفة من صفاته ، هي يد ، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني
آدم .
قالوا : وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن خصوصه
آدم بما خصه به من خلقه إياه بيده .
[ ص: 455 ] قالوا : ولو كان [ معنى"اليد " ، النعمة ، أو القوة ، أو الملك ، ما كان لخصوصه ]
آدم بذلك وجه مفهوم ، إذ كان جميع خلقه مخلوقين بقدرته ، ومشيئته في خلقه نعمة ، وهو لجميعهم مالك .
قالوا : وإذ كان تعالى ذكره قد خص
آدم بذكره خلقه إياه بيده دون غيره من عباده ، كان معلوما أنه إنما خصه بذلك لمعنى به فارق غيره من سائر الخلق .
قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، بطل قول من قال :
nindex.php?page=treesubj&link=29716معنى"اليد " من الله ، القوة والنعمة أو الملك ، في هذا الموضع .
قالوا : وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون أن : "يد الله " في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، هي نعمته ، لقيل : "بل يده مبسوطة " ، ولم يقل : "بل يداه " ، لأن نعمة الله لا تحصى كثرة . وبذلك جاء التنزيل ، يقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ سورة إبراهيم : 34\ وسورة النحل : 18 ]
قالوا : ولو كانت نعمتين ، كانتا محصاتين .
قالوا : فإن ظن ظان أن النعمتين بمعنى النعم الكثيرة ، فذلك منه خطأ ، وذلك أن العرب قد تخرج الجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه ، وذلك كقول الله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر إن الإنسان لفي خسر ) [ سورة العصر : 1 ، 2 ] وكقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=4لقد خلقنا الإنسان ) ، [ سورة الحجر : 26 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=55وكان الكافر على ربه ظهيرا ) [ سورة الفرقان : 55 ] ، قال : فلم يرد ب"الإنسان " و"الكافر " في هذه الأماكن إنسان بعينه ، ولا كافر مشار إليه حاضر ، بل عني به جميع الإنس وجميع الكفار ، ولكن الواحد أدى عن جنسه ، كما تقول العرب :
[ ص: 456 ] "ما أكثر الدرهم في أيدي الناس " ، وكذلك قوله : ( وكان الكافر ) معناه : وكان الذين كفروا .
قالوا : فأما إذا ثني الاسم ، فلا يؤدي عن الجنس ، ولا يؤدي إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجميع ودون غيرهما .
قالوا : وخطأ في كلام العرب أن يقال : "ما أكثر الدرهمين في أيدي الناس " ، بمعنى : ما أكثر الدراهم في أيديهم .
قالوا : وذلك أن الدرهم إذا ثني لا يؤدي في كلامها إلا عن اثنين بأعيانهما .
قالوا : وغير محال : "ما أكثر الدرهم في أيدي الناس " ، و"ما أكثر الدراهم في أيديهم " ، لأن الواحد يؤدي عن الجميع .
قالوا : ففي قول الله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان " ، مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى ، مع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع ما ينبئ عن خطأ قول من قال : معنى"اليد " ، في هذا الموضع ، النعمة ، وصحة قول من قال : إن"يد الله " ، هي له صفة .
قالوا : وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال به العلماء وأهل التأويل .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_29706_18984_31951nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ جُرْأَةِ
الْيَهُودِ عَلَى رَبِّهِمْ ، وَوَصْفِهِمْ إِيَّاهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ ، تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ ، وَتَعْرِيفًا مِنْهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيمَ جَهْلِهِمْ وَاغْتِرَارِهِمْ بِهِ ، وَإِنْكَارِهِمْ جَمِيعَ جَمِيلِ أَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ ، وَكَثْرَةَ صَفْحِهِ عَنْهُمْ وَعَفْوَهُ عَنْ عَظِيمِ إِجْرَامِهِمْ وَاحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَهُ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ وَرَسُولٌ مُرْسَلٌ : أَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْبَاءُ الَّتِي أَنْبَأَهُمْ بِهَا كَانَتْ مِنْ خَفِيِ عُلُومِهِمْ وَمَكْنُونِهَا الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا أَحْبَارُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ
الْيَهُودِ ، فَضْلًا عَنِ الْأُمَّةِ الْأُمِّيَّةِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَمَّ يَقْرَأُوا كِتَابًا ، وَوَعَوْا مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الْكِتَابِ عِلْمًا ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِيُقَرِّرَ عِنْدَهُمْ صِدْقَهُ ، وَيَقْطَعَ بِذَلِكَ حُجَّتَهُمْ .
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : "وَقَالَتِ الْيَهُودُ " ، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ"يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، يَعْنُونَ : أَنَّ خَيْرَ اللَّهِ مُمْسَكٌ وَعَطَاؤُهُ مَحْبُوسٌ عَنِ الِاتِّسَاعِ عَلَيْهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
[ ص: 451 ] ذِكْرُهُ فِي تَأْدِيبِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ : 29 ] .
وَإِنَّمَا وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ"الْيَدَ " بِذَلِكَ ، وَالْمَعْنَى الْعَطَاءُ ، لِأَنَّ عَطَاءَ النَّاسِ وَبَذْلَ مَعْرُوفِهِمُ الْغَالِبَ بِأَيْدِيهِمْ . فَجَرَى اسْتِعْمَالُ النَّاسِ فِي وَصْفِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، إِذَا وَصَفُوهُ بِجُودٍ وَكَرَمٍ ، أَوْ بِبُخْلٍ وَشُحٍّ وَضِيقٍ ، بِإِضَافَةِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى يَدَيْهِ ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى فِي مَدْحِ رَجُلٍ :
يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ ، فَكَفٌّ مُفِيدَةٌ وَكَفٌّ إِذَا مَا ضُنَّ بِالزَّادِ تُنْفِقُ
فَأَضَافَ مَا كَانَ صِفَةَ صَاحِبِ الْيَدِ مِنْ إِنْفَاقٍ وَإِفَادَةٍ إِلَى"الْيَدِ" . وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي أَشْعَارِهَا وَأَمْثَالِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى . فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا يَتَعَارَفُونَهُ وَيَتَحَاوَرُونَهُ بَيْنَهُمْ فِي كَلَامِهِمْ فَقَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ يَبْخَلُ عَلَيْنَا ، وَيَمْنَعُنَا فَضْلَهُ فَلَا يَفْضُلُ كَالْمَغْلُولَةِ يَدُهُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبْسُطَهَا بِعَطَاءٍ وَلَا بَذْلِ مَعْرُوفٍ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا قَالُوا ، أَعْدَاءُ اللَّهِ!
[ ص: 452 ] فَقَالَ اللَّهُ مُكَذِّبَهُمْ وَمُخْبِرَهُمْ بِسَخَطِهِ عَلَيْهِمْ : "غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ " ، يَقُولُ : أُمْسِكَتْ أَيْدِيهِمْ عَنِ الْخَيْرَاتِ ، وَقُبِضَتْ عَنِ الِانْبِسَاطِ بِالْعَطِيَّاتِ" وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا " ، وَأُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ بِالَّذِي قَالُوا مِنَ الْكُفْرِ ، وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ وَوَصَفُوهُ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْإِفْكِ
"بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ " ، يَقُولُ : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ بِالْبَذْلِ وَالْإِعْطَاءِ وَأَرْزَاقِ عِبَادِهِ وَأَقْوَاتِ خَلْقِهِ ، غَيْرُ مَغْلُولَتَيْنِ وَلَا مَقْبُوضَتَيْنِ "يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ " ، يَقُولُ : يُعْطِي هَذَا ، وَيَمْنَعُ هَذَا فَيَقْتُرُ عَلَيْهِ .
وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
12242 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ ، حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا " ، قَالَ : لَيْسَ يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَدَ اللَّهِ مُوثَقَةٌ ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّهُ بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
12243 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، قَالُوا : لَقَدْ تَجَهَّدَنَا اللَّهُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَتَّى
[ ص: 453 ] جَعَلَ اللَّهُ يَدَهُ إِلَى نَحْرِهِ! وَكَذَبُوا !
12244 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، قَالَ : الْيَهُودُ تَقُولُهُ : لَقَدْ تَجَهَّدَنَا اللَّهُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ ، حَتَّى إِنَّ يَدَهُ إِلَى نَحْرِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ " .
12245 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا " إِلَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " ، أَمَّا قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، قَالُوا : اللَّهُ بَخِيلٌ غَيْرُ جَوَّادٍ! قَالَ اللَّهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ " .
12246 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ " ، قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ ، فَلَا يَبْسُطُهَا حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْنَا مُلْكَنَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ " ، يَقُولُ : يَرْزُقُ كَيْفَ يَشَاءُ .
12247 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ، قَالَ
عِكْرِمَةُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " الْآيَةَ ، نَزَلَتْ فِي
فِنْحَاصَ الْيَهُودِيِّ .
12248 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو تُمَيْلَةَ ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، يَقُولُونَ : إِنَّهُ
[ ص: 454 ] بِخَيْلٍ لَيْسَ بِجَوَّادٍ ! قَالَ اللَّهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ " ، أُمْسِكَتْ أَيْدِيهِمْ عَنِ النَّفَقَةِ وَالْخَيْرِ . ثُمَّ قَالَ يَعْنِي نَفْسَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ " . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ) [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ : 29 ] ، يَقُولُ : لَا تُمْسِكُ يَدَكَ عَنِ النَّفَقَةِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْجَدَلِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28976_29716تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : " nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ " . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَنَى بِذَلِكَ : نِعْمَتَاهُ . وَقَالَ : ذَلِكَ بِمَعْنَى : " يَدُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ " ، وَذَلِكَ نِعَمُهُ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ : إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : " لَكَ عِنْدِي يَدٌ " ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ : نِعْمَةٌ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْقُوَّةَ . وَقَالُوا : ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=45وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي ) [ سُورَةُ ص : 45 ] .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ"يَدُهُ " ، مُلْكُهُ . وَقَالَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، مُلْكُهُ وَخَزَائِنُهُ .
قَالُوا : وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ لِلْمَمْلُوكِ : "هُوَ مِلْكُ يَمِينِهِ " ، وَ"فَلَانٌ بِيَدِهِ عُقْدَةُ نِكَاحِ فُلَانَةَ " ، أَيْ يَمْلِكُ ذَلِكَ ، وَكَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) ، [ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ : 12 ] .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ"يَدُ اللَّهِ " صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ ، هِيَ يَدٌ ، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ كَجَوَارِحِ بَنِي
آدَمَ .
قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ خُصُوصِهِ
آدَمَ بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ إِيَّاهُ بِيَدِهِ .
[ ص: 455 ] قَالُوا : وَلَوْ كَانَ [ مَعْنَى"الْيَدِ " ، النِّعْمَةَ ، أَوِ الْقُوَّةَ ، أَوِ الْمُلْكَ ، مَا كَانَ لِخُصُوصِهِ ]
آدَمَ بِذَلِكَ وَجْهٌ مَفْهُومٌ ، إِذْ كَانَ جَمِيعُ خَلْقِهِ مَخْلُوقِينَ بِقُدْرَتِهِ ، وَمَشِيئَتُهُ فِي خَلْقِهِ نِعْمَةٌ ، وَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ مَالِكٌ .
قَالُوا : وَإِذْ كَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ خَصَّ
آدَمَ بِذِكْرِهِ خَلْقَهُ إِيَّاهُ بِيَدِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ عِبَادِهِ ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ بِذَلِكَ لِمَعْنًى بِهِ فَارَقَ غَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ .
قَالُوا : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29716مَعْنَى"الْيَدِ " مِنَ اللَّهِ ، الْقُوَّةُ وَالنِّعْمَةُ أَوِ الْمُلْكُ ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
قَالُوا : وَأَحْرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الزَّاعِمُونَ أَنَّ : "يَدَ اللَّهِ " فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ " ، هِيَ نِعْمَتُهُ ، لَقِيلَ : "بَلْ يَدُهُ مَبْسُوطَةٌ " ، وَلَمْ يَقُلْ : "بَلْ يَدَاهُ " ، لِأَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصَى كَثْرَةً . وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّنْزِيلُ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) [ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 34\ وَسُورَةُ النَّحْلِ : 18 ]
قَالُوا : وَلَوْ كَانَتْ نِعْمَتَيْنِ ، كَانَتَا مُحْصَاتَيْنِ .
قَالُوا : فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ النِّعْمَتَيْنِ بِمَعْنَى النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ ، فَذَلِكَ مِنْهُ خَطَأٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ الْجَمِيعَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِأَدَاءِ الْوَاحِدِ عَنْ جَمِيعِ جِنْسِهِ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) [ سُورَةُ الْعَصْرِ : 1 ، 2 ] وَكَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=4لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ) ، [ سُورَةُ الْحِجْرِ : 26 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=55وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ) [ سُورَةُ الْفُرْقَانِ : 55 ] ، قَالَ : فَلَمْ يُرَدْ بِ"الْإِنْسَانِ " وَ"الْكَافِرِ " فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ إِنْسَانٌ بِعَيْنِهِ ، وَلَا كَافِرٌ مُشَارٌ إِلَيْهِ حَاضِرٌ ، بَلْ عُنِيَ بِهِ جَمِيعُ الْإِنْسِ وَجَمِيعُ الْكُفَّارِ ، وَلَكِنَّ الْوَاحِدَ أَدَّى عَنْ جِنْسِهِ ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ :
[ ص: 456 ] "مَا أَكْثَرَ الدِّرْهَمَ فِي أَيْدِي النَّاسِ " ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَكَانَ الْكَافِرُ ) مَعْنَاهُ : وَكَانَ الَّذِينَ كَفَرُوا .
قَالُوا : فَأَمَّا إِذَا ثُنِّيَ الِاسْمُ ، فَلَا يُؤَدِّي عَنِ الْجِنْسِ ، وَلَا يُؤَدِّي إِلَّا عَنِ اثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا دُونَ الْجَمِيعِ وَدُونَ غَيْرِهِمَا .
قَالُوا : وَخَطَأٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ : "مَا أَكْثَرَ الدِّرْهَمَيْنِ فِي أَيْدِي النَّاسِ " ، بِمَعْنَى : مَا أَكْثَرَ الدَّرَاهِمَ فِي أَيْدِيهِمْ .
قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ الدِّرْهَمَ إِذَا ثُنِّيَ لَا يُؤَدِّي فِي كَلَامِهَا إِلَّا عَنِ اثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا .
قَالُوا : وَغَيْرُ مُحَالٍ : "مَا أَكْثَرَ الدِّرْهَمَ فِي أَيْدِي النَّاسِ " ، وَ"مَا أَكْثَرَ الدَّرَاهِمَ فِي أَيْدِيهِمْ " ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُؤَدِّي عَنِ الْجَمِيعِ .
قَالُوا : فَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ " ، مَعَ إِعْلَامِهِ عِبَادَهُ أَنَّ نِعَمَهُ لَا تُحْصَى ، مَعَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ اثْنَيْنِ يُؤَدِّيَانِ عَنِ الْجَمِيعِ مَا يُنْبِئُ عَنْ خَطَأِ قَوْلِ مَنْ قَالَ : مَعْنَى"الْيَدِ " ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، النِّعْمَةُ ، وَصِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ"يَدَ اللَّهِ " ، هِيَ لَهُ صِفَةٌ .
قَالُوا : وَبِذَلِكَ تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ .