المسألة السادسة : فيه قولان : ما هذا الإثم ؟
أحدهما : أن الإثم ما بعد التحريم ، والمنفعة قبل التحريم .
الثاني : أن إثمها كانوا إذا شربوا سكروا فسبوا وجرحوا وقتلوا . والصحيح أنها إثم في الوجهين ، وتمامها فيما بعد إن شاء الله .
المسألة السابعة : قوله تعالى : { ومنافع للناس } : في ذلك ثلاثة مذاهب :
الأول : أنها ربح التجارة .
والثاني : السرور واللذة .
والثالث : قال قوم من المبتدعة : ما فيها من منفعة البدن ; لحفظ الصحة القائمة أو جلب الصحة الفانية بما تفعله من تقوية المعدة وسريانها في الأعصاب والعروق ، [ ص: 211 ] وتوصلها إلى الأعضاء الباطنة الرئيسية ، وتجفيف الرطوبة ، وهضم الأطعمة الثقال وتلطيفها .
والصحيح أن المنفعة هي الربح ; لأنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص فيبيعونها في الحجاز بربح كثير .
وأما اللذة : فهي مضرة عند العقلاء ; لأن ما تجلبه من اللذة لا يفي بما تذهبه من التحصيل والعقل ، حتى إن العبيد الأدنياء وأهل النقص كانوا يتنزهون عن شربها لما فيها من إذهاب شريف العقل ، وإعدامها فائدة التحصيل والتمييز .
وأما منفعة إصلاح البدن : فقد بالغ فيها الأطباء حتى إني تكلمت يوما مع بعضهم في ذلك ، فقال لي : لو جمع سبعون عقارا ما وفى بالخمر في منافعها ، ولا قام في إصلاح البدن مقامها . وهذا مما لا نشتغل به لوجهين :
أحدهما : أن الذين نزل تحريم الخمر عليهم لم يكونوا يقصدون به التداوي حتى نعتذر عن ذلك لهم .
الثاني : أن البلاد التي نزل أصل تحريم الخمر فيها كانت بلاد جفوف وحر ; وضرر الخمر فيها أكثر من منفعتها ; وإنما يصلح الخمر عند الأطباء للأرياف والبطاح والمواضع الرطبة ، وإن كانت فيها منفعة من طريق البدن ففيها مضرة من طريق الدين ، والباري تعالى قد حرمها مع علمه بها فقدرها كيف شئت ، فإن خالقها ومصرفها قد حرمها .
وقد روى عن { مسلم طارق بن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه وكره أن يصنعها . قال : إنما أصنعها للدواء . قال : ليس بدواء ، ولكنه داء } .
وروي أيضا عن { أنس } وروي ذلك عن جماعة . أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الخمر : أتتخذ خلا ؟ قال : لا .
[ ص: 212 ] فإن قيل : وكيف يجوز أن يرد الشرع بتحريم ما لا غنى عنه ولا عوض منه ؟ هذا مناقض للحكمة . فالجواب عنه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنا لا نقول إنه لا غنى عنها ولا عوض منها ; بل للمريض عنها ألف غنى ، وللصحيح والمريض منها عوض من الخل ونحوه .
الثاني : أن نقول : لو كانت لا غنى عنها ولا عوض منها لامتنع تحريمها ، ولا استحال أن يمنع الباري تعالى الخلق منها لثلاثة أدلة :
الأول : أن للباري تعالى أن يمنع المرافق كلها أو بعضها ، وأن يبيحها ، وقد آلم الحيوان وأمرض الإنسان .
الثاني : أن التطبب غير واجب بإجماع من الأمة ، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق أنه قال : { } . يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا من غير حساب ، وهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون
الثالث : أنه لو كان فيها صلاح بدن لكانت فيها ضراوة وذريعة إلى فساد العقل ، فتقابل الأمران ، فغلب المنع لما لنا في ذلك من المصلحة المنبه عليها في سورة المائدة .