وأما في الاستسقاء لما استسقى على المنبر رفع يديه، كما رواه في صحيحه عن البخاري قال: أنس، [ ص: 96 ] أتى أعرابي من أهل البدو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله! هلكت الماشية وهلك العيال وهلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا.
فقد أخبر في هذا الحديث الصحيح أنه لما استسقى بهم يوم الجمعة على المنبر رفع يديه ورفع الناس أيديهم، وقد ثبت أنه لم يكن يرفع على المنبر في غير الاستسقاء، فيكون أنس رضي الله عنه أراد هذا المعنى، لا سيما وبعض أنس بني أمية كانوا قد أحدثوا رفع الأيدي يوم الجمعة، كما تقدم من حديث عبد الملك وإنكار وبشر بن مروان، عمارة بن رؤيبة وغضيف بن الحارث عليهما مخالفة السنة، أدرك هذا العصر فيكون هو أيضا أخبر بالسنة التي أخبر بها غيره من وأنس وهذا الوجه يوافق الذي قبله، ويبين أن الاستسقاء مخصوص بمزيد الرفع، وهو الابتهال الذي ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه -أي على المنبر- إلا في الاستسقاء. فالأحاديث تأتلف ولا تختلف. ابن عباس،
وأما الموضع الثاني فنقول: من ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم في الرفع المعتدل جعل ظهر كفيه إلى السماء فقد أخطأ، وكذلك من ظن أنه قصد توجيه ظهر يديه إلى السماء في شيء من الدعاء، فليس في شيء من الحديث ما يدل على أنه قصد جعل كفيه دون بطنهما إلى السماء، ولا على أنه في الرفع المعتدل أشار بظهرهما إلى السماء، بل الأحاديث المشهورة عنه تبين أن سنته إنما هي إذا قصد أحدهما. قصد توجيه بطن اليد إلى السماء دون ظهرها
ففي سنن من حديث أبي داود مالك بن يسار السكوني ثم [ ص: 97 ] العوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وروى أيضا من حديث "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها". عن محمد بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم". سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، قال "من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار. روي هذا الحديث من غير وجه عن أبو داود: كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا. محمد بن كعب
وفي سنن وغيره عن أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان الفارسي وفي سنن "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراوين". عن أبي داود عن أبيه السائب بن يزيد وقد تقدم في حديث الاستسقاء من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه. عمير مولى آبي اللحم أنه قبل وجهه. يدعو رافعا يديه لكن هذا الرفع دون الرفع الذي أخبر به رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار البيت قائما وذاك كان في موطن آخر، فإن ذاك الرفع جاوز بهما رأسه. [ ص: 98 ] أنس،
وبالجملة فهذا الرفع الذي استفاضت به الأحاديث، وهو الذي عليه الأئمة في دعاء الصلاة، وعليه عمل المسلمين من زمن نبيهم إلى هذا التاريخ.
وأما حديث فقد تقدم أنه لشدة الرفع انحنت يده، فصار كفه مما يلي السماء لشدة الرفع، لا قصدا لذلك، كما جاء أنه رفعها حذاء وجهه. وتقدم حديث أنس نفسه أنه رأى رسول صلى الله عليه وسلم يدعو بباطن كفيه وظاهرهما، وتقدم حديث أنس الابتهال هكذا، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه. فهذه ثلاثة أنواع في هذا الرفع الشديد رفع الابتهال، تارة يذكر فيه أن بطونهما مما يلي وجهه وهذا أشد، وتارة يذكر هذا وهذا، فتبين بذلك أنه لم يقصد في هذا الرفع الشديد لا ظهر اليد ولا بطنها، لأن الرفع يرتفع وتبقى أصابعها نحو السماء مع نوع من الانحناء الذي يكون فيه هذا تارة وهذا تارة. وأما إذا قصد توجيه بطن اليد أو ظهرها فإنما كان توجه بطنها، وهذا في الرفع المتوسط الذي هو رفع المسألة. فبهذا تآلف الأحاديث ويظهر السنة وتبين المعاني المتناسبة. ابن عباس: