39 - قوله: (ص): مطلقا كمسند "كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها وغيره... " إلى أن قال: فهذه عادتهم أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به أم لا". أحمد
قلت: هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين، فإن ظاهر حال من يصنف على الأبواب أنه ادعى على أن الحكم في المسألة التي بوب عليها [ ص: 447 ] ما بوب به فيحتاج إلى مستدل لصحة دعواه، والاستدلال إنما ينبغي أن يكون بما يصلح أن يحتج به، وأما . من يصنف على المسانيد فإن ظاهر قصده جمع حديث كل صحابي على حدة سواء أكان يصلح للاحتجاج به أم لا
وهذا هو ظاهر من أصل الوضع بلا شك، لكن جماعة من المصنفين في كل من الصنفين خالف أصل موضوعه فانحط وارتفع، فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة إما لذهول عن ضعفها وإما لقلة معرفة بالنقد.
وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه. كما روينا عن أنه انتقى في مسنده أصح ما وجده من حديث كل صحابي إلا أن لا يجد ذلك المتن إلا من تلك الطريق، فإنه يخرجه. ونحى إسحاق بن راهويه في مسنده نحو ذلك. وكذلك صنع بقي بن مخلد قريبا من ذلك وقد صرح ببعض ذلك في عدة مواضع من مسنده فيخرج الإسناد الذي فيه مقال ويذكر علته، ويعتذر عن تخريجه بأنه لم يعرفه إلا من ذلك الوجه. أبو بكر البزار
وأما ، فقد صنف الإمام أحمد جزءا كبيرا ذكر فيه أدلة كثيرة تقتضي أن أبو موسى المديني انتقى مسنده وأنه كله صحيح عنده وأن ما أخرجه فيه عن الضعفاء إنما هو في المتابعات أحمد ، وإن كان أبو موسى قد ينازع في بعض ذلك، لكنه لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالا من غيره.
وهذا يدل على أنه انتخبه.
[ ص: 448 ] ويؤيد هذا ما يحكيه ابنه عنه أنه كان يضرب على بعض الأحاديث التي يستنكرها.
وروى أبو موسى في هذا الكتاب من طريق قال: جمعنا حنبل بن إسحاق أنا وابناه أحمد عبد الله وصالح وقال: انتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه، فإن وجدتموه، وإلا فليس بحجة.
فهذا صريح فيما قلناه إنه انتقاه ولو وقعت فيه الأحاديث الضعيفة والمنكرة، فلا يمنع ذلك صحة هذه الدعوى؛ لأن هذه الأمور نسبية بل هذا كاف فيما قلناه أنه لم يكتف بمطلق جمع حديث كل صحابي.
وظاهر كلام المصنف أن الأحاديث التي في الكتب الخمسة وغيرها يحتج بها جميعها، وليس كذلك؛ فإن فيها شيئا كثيرا لا يصلح للاحتجاج به بل وفيها ما لا يصلح للاستشهاد به من حديث المتروكين وليست الأحاديث الزائدة في مسند على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة على الصحيحين من سنن أحمد وجامع أبي داود . الترمذي
[ ص: 449 ] وإذا تقرر هذا ؛ إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة، فهذا المحتج إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علما بذلك. فسبيل من أراد أن يحتج بحديث من السنن أو بأحاديث من المسانيد واحد
وإن كان غير متأهل لدرك ذلك فسبيله أن ينظر في الحديث إن كان خرج في الصحيحين أو صرح أحد من الأئمة بصحته، فله أن يقلد في ذلك.
وإن لم يجد أحدا صححه ولا حسنه فما له أن يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر.
ولم أر للمصنف سلفا في أن جميع ما صنف على الأبواب يحتج به مطلقا، ولو كان اقتصر على الكتب الخمسة لكان أقرب من حيث الأغلب، لكنه قال مع ذلك: وما جرى مجراها.
فيدخل في عبارته غيرها من الكتب المصنفة على الأبواب كسنن بل ومصنف ابن ماجه ابن أبي شيبة وغيرهم، فعليه في إطلاق ذلك من التعقب ما أوردناه - والله أعلم - . وعبد الرزاق