[ :] أول من صنف الصحيح
21 - قوله: (ص): أول من صنف الصحيح انتهى. البخاري
اعترض عليه الشيخ علاء الدين مغلطاي فيما قرأت بخطه بأن أول من صنف الصحيح، وتلاه مالكا ، وتلاه أحمد بن حنبل قال: وليس لقائل [ ص: 277 ] أن يقول: لعله أراد الصحيح المجرد، فلا يرد كتاب الدارمي ؛ لأن فيه البلاغ والموقوف والمنقطع والفقه وغير ذلك، لوجود مثل ذلك في كتاب مالك . انتهى. البخاري
[رد العراقي على مغلطاي :]
4 - وقد أجاب شيخنا - رضي الله عنه - عما يتعلق بالموطأ بما نصه: أن لم يفرد الصحيح وإنما أدخل في كتابه المرسل والمنقطع... إلى آخر كلامه. مالكا
وكأن شيخنا لم يستوف النظر في كلام مغلطاي .
وإلا فظاهر مقبول بالنسبة إلى ما ذكره في من الأحاديث المعلقة، وبعضها ليس على شرطه، بل وفي بعضها ما لا يصح كما سيأتي التنبيه عليه عند ذكر تقسيم التعليق، فقد مزج الصحيح بما ليس منه كما فعل ذلك. البخاري
[رد الحافظ على مغلطاي :]
وكأن مغلطاي خشي أن يجاب عن اعتراضه بما أجاب به شيخنا من التفرقة، فبادر إلى الجواب عنه، لكن الصواب في الجواب عن هذه المسألة أن يقال: ما الذي أراده المؤلف بقوله: أول من صنف الصحيح. هل أراد الصحيح من حيث هو؟ أو أراد الصحيح المعهود الذي فرغ من تعريفه؟
الظاهر أنه لم يرد إلا المعهود. وحينئذ فلا يرد عليه ما ذكره في الموطأ [ ص: 278 ] وغيره؛ لأن الموطأ وإن كان عند من يرى الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وأقوال الصحابة صحيحا . (فليس ذلك على شرط الصحة المعتبرة عند أهل الحديث) والفرق بين ما فيه من المقطوع والمنقطع وبين ما في من ذلك واضح؛ لأن الذي في الموطأ من ذلك هو مسموع البخاري كذلك في الغالب، وهو حجة عنده وعند من تبعه. لمالك
والذي في من ذلك قد حذف في البخاري أسانيدها عمدا ليخرجها عن موضوع الكتاب، وإنما يسوقها في تراجم الأبواب تنبيها واستشهادا واستئناسا وتفسيرا لبعض الآيات. وكأنه البخاري ، وقد بينت في كتاب تغليق التعليق كثيرا من أراد أن يكون كتابه جامعا لأبواب الفقه وغير ذلك من المعاني التي قصد (جمعه فيها) في الصحيح فيحذف إسنادها أو بعضها البخاري ، وتوجد موصولة عنده في موضع آخر من تصانيفه التي هي خارج الصحيح. الأحاديث التي يعلقها
(والحاصل من هذا أن أول من صنف في الصحيح) يصدق على باعتبار انتقائه وانتقاده للرجال، فكتابه مالك كمصنفات أصح من الكتب المصنفة في هذا الفن من أهل عصره وما قاربه ، سعيد بن أبي عروبة ، وحماد بن [ ص: 279 ] سلمة ، والثوري وابن إسحاق ، ومعمر ، وابن جريج وابن المبارك وغيرهم، ولهذا قال وعبد الرزاق : ما بعد كتاب الله أصح من كتاب الشافعي . مالك
فكتابه صحيح عنده وعند من تبعه ممن يحتج بالمرسل والموقوف.
وأما . أول من صنف الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف
فأول من جمعه ، ثم البخاري كما جزم به مسلم . ابن الصلاح
وأما قول في مقدمة شرح القاضي أبي بكر بن العربي : والموطأ هو الأصل الأول الترمذي هو الأصل الثاني. وعليهما بنى جميع من بعدهما والبخاري كمسلم وغيرهما [ ص: 280 ] فإن أراد مجرد السبق إلى التصنيف فهو كذلك، ولا يلزم منه مخالفة لما تقدم. وإن أراد الأصل في الصحة فهو كذلك، لكن على التأويل الذي أولناه . والترمذي
وأما قول مغلطاي : إن أفرد الصحيح، فقد أجاب الشيخ عنه في التنبيه السادس من الكلام على الحديث الحسن. أحمد
وأما ما يتعلق فتعقبه الشيخ بأن فيه الضعيف والمنقطع، لكن بقي مطالبة بالدارمي مغلطاي بصحة دعواه بأن جماعة أطلقوا على مسند كونه صحيحا، فإني لم أر ذلك في كلام أحد ممن يعتمد عليه. ثم وجدت بخط الدارمي مغلطاي أنه رأى بخط الحافظ أبي محمد المنذري ترجمة كتاب بالمسند الصحيح الجامع. الدارمي
وليس كما زعم، فلقد وقفت على النسخة التي بخط المنذري ، وهي أصل سماعنا للكتاب المذكور، والورقة الأولى منه مع عدة أوراق ليست بخط المنذري ، بل هو بخط أبي الحسن بن أبي الحصني ، وخطه قريب من خط المنذري ، فاشتبه ذلك على مغلطاي وليس الحصني من أحلاس هذا الفن حتى [ ص: 281 ] يحتج بخطه في ذلك، كيف ولو أطلق ذلك عليه من يعتمد عليه لكان الواقع يخالفه لما في الكتاب المذكور من الأحاديث الضعيفة والمنقطعة والمقطوعة.
والموطأ في الجملة أنظف أحاديث وأتقن رجالا منه، ومع ذلك كله فلست أسلم أن صنف كتابه قبل تصنيف الدارمي الجامع لتعاصرهما، ومن ادعى ذلك فعليه البيان والله أعلم. البخاري