الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        238 - حدثنا حسين بن نصر قال : ثنا الفريابي قال : ثنا ابن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، يرفعه مثله .

                                                        فثبت بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) أنه لم يأمرهم بذلك وأن ذلك ليس عليهم ؛ وأن في ارتفاع ذلك عنهم - وهو المجعول بدلا من الوضوء لكل صلاة - دليل على أن الوضوء لكل صلاة لم يكن عليهم ولا أمروا به وأن المأمور به النبي صلى الله عليه وسلم دونهم وأن حكمه كان في ذلك غير حكمهم .

                                                        فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .

                                                        وقد ثبت بذلك ارتفاع وجوب الوضوء لكل صلاة .

                                                        وأما وجه ذلك من طريق النظر ؛ فإنا رأينا الوضوء طهارة من حدث ، فأردنا أن ننظر في الطهارات من الأحداث كيف حكمها ؟ وما الذي ينقضها ؟ فوجدنا الطهارات التي توجبها الأحداث على ضربين :

                                                        فمنها الغسل ، ومنها الوضوء ، فكان من جامع أو أجنب ، وجب عليه الغسل ، وكان من بال أو تغوط ، وجب عليه الوضوء .

                                                        فكان الغسل الواجب بما ذكرنا لا ينقضه مرور الأوقات ولا ينقضه إلا الأحداث .

                                                        فلما ثبت أن حكم الطهارة من الجماع والاحتلام كما ذكرنا ، كان في النظر أيضا أن يكون حكم الطهارات من سائر الأحداث كذلك وأنه لا ينقض ذلك مرور وقت كما لا ينقض الغسل مرور وقت .

                                                        وحجة أخرى أنا رأيناهم أجمعوا أن المسافر يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث .

                                                        وإنما اختلفوا في الحاضر فوجدنا الأحداث من الجماع والاحتلام والغائط والبول وكل ما إذا كان من الحاضر كان حدثا يوجب به عليه طهارة ، فإنه إذا كان من المسافر ، كان كذلك أيضا وجب عليه من الطهارة ما يجب عليه لو كان حاضرا .

                                                        ورأينا طهارة أخرى ينقضها خروج وقت وهي المسح على الخفين ؛ فكان الحاضر والمسافر في ذلك سواء ؛ ينقض طهارتهما خروج وقت ما ؛ وإن كان ذلك الوقت في نفسه مختلفا في الحضر والسفر .

                                                        فلما ثبت أن ما ذكرنا كذلك ؛ وإنما ينقض طهارة الحاضر من ذلك ينقض طهارة المسافر ، وكان خروج الوقت عن المسافر لا ينقض طهارته ، كان خروجه عن المقيم أيضا كذلك ، قياسا ونظرا على ما بينا من ذلك .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى . وقد قال بذلك جماعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية