فيه ست قراءات قرأ المدنيون والكوفيون (إن هذان لساحران) وقرأ (إن هذين لساحران) وهذه القراءة مروية عن أبو عمرو الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري، وقرأ الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد في إحدى الروايتين (إن هذان لساحران) بتخفيف إن فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة ، وروي عن وعاصم (إن هذان إلا ساحران) وقال عبد الله بن مسعود في قراءة الكسائي: (إن هذان ساحران) بغير لام، وقال عبد الله في حرف الفراء (إن ذان إلا ساحران) فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير إلا أنها جائز أن [ ص: 44 ] يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قال أبي القراءة الأولى للعلماء فيها ستة أقوال: منها أن يكون إن بمعنى نعم، كما حكى أبو جعفر: عن الكسائي قال عاصم العرب: تأتي بإن بمعنى نعم، وحكى أن "إن" تأتي بمعنى أجل. وإلى هذا القول كان سيبويه: محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان. قال ورأيت أبو جعفر: أبا إسحاق وأبا الحسن علي بن سليمان يذهبان إليه. وحدثنا علي بن سليمان قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني قال: حدثنا عمير بن المتوكل قال: حدثنا محمد بن موسى النوغلي من ولد حارث بن عبد المطلب قال: حدثنا عمرو بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي وهو علي بن الحسين عن أبيه عن رضي الله عنه قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي علي بن أبي طالب أبان بن سعيد بن العاص". قال أبو محمد: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل "إن" في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم، وقال الشاعر في معنى نعم :
قالوا غدرت فقلت إن وربما نال العلى وشفى الغليل الغادر
[ ص: 45 ] وقال ابن قيس الرقيات :
بكر العواذل في الصبوح يلمنني وألومهنه ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: "إن هذان لساحران" بمعنى نعم. قال أنشدني أبو جعفر: داود بن الهيثم قال: أنشدني ثعلب :
ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء
أي نعم، فهذا قول. وقال أبو زيد والكسائي والأخفش هذا على لغة والفراء: بني الحارث بن كعب. قال يقولون: رأيت الزيدان، ومررت بالزيدان وأنشد : الفراء:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لناباه الشجاع لصمما
وحكى أبو الخطاب أن هذه لغة بني كنانة، قول آخر قال: وجدت الألف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها، كما قلت: الذي ثم زدت عليها نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك. قال وللفراء وقيل: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير. قال أبو [ ص: 46 ] جعفر: النحويون القدماء يقولون: الهاء ههنا مضمرة والمعنى: إنه هذان لساحران. فهذه خمسة أقوال، قال أبو إسحاق: وسألت أبو جعفر: أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به فقلت: فيقول القاضي به حتى يؤنس به فتبسم. قال القول الأول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام ههنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم. وقال أبو جعفر: المعنى إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ كما قال : أبو إسحاق:
أم الحليس لعجوز شهربه
والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم وهو الذي يقول: إذا قال أبو زيد الأنصاري حدثني من أثق به فإنما يعنيني. سيبويه: وأبو الخطاب الأخفش، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة. روى عنه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين الأولى منهما حرف مد [ ص: 47 ] ولين، وهو حرف الإعراب. قال سيبويه فقول أبو جعفر: وهو حرف الإعراب يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز: { سيبويه: استحوذ عليهم الشيطان } ولم يقل: استحاذ فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل. وهذا بين جدا ويذهبا بطريقتكم المثلى تأنيث أمثل، كما يقال: الأفضل والفضلى، وأنثت الطريقة على اللفظ وإن كان يراد بها الرجال ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة.