إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نـزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
ذكر - سبحانه وتعالى - حال الكافرين يوم القيامة؛ وكيف كان ضلالهم في الدنيا مرديا لهم؛ وأودى بهم في نار جهنم؛ وذكر من بعد حال المؤمنين؛ الذين صلحوا في أنفسهم؛ فآمنوا؛ وعملوا الصالحات؛ فنالوا جزاءهم في الآخرة؛ ذكر الموصول للإشارة [ ص: 4598 ] إلى أن الصلة هي السبب في الجزاء؛ فالإيمان والعمل الصالح هما سبب الجزاء العظيم; إذ الإيمان لتطهير القلب؛ وعزيمة النفس؛ والبعد عن كل أدران الشرك؛ والعمل الصالح يتضمن القيام بكل ما أمر الله به؛ والانتهاء عن كل ما نهى الله (تعالى) عنه؛ لا فرق بين صغيرة؛ وكبيرة؛ إلا اللمم؛ فإن الله (تعالى) يغفره؛ رحمة بعباده؛ ويتضمن أيضا القيام بكل عمل صالح؛ فيه نفع للإنسان؛ ويتضمن الفضائل الإنسانية التي يكمل بها الإنسان.
والجزاء ذكره (تعالى)؛ يقول: كانت لهم جنات الفردوس نـزلا اللام للاختصاص؛ أي: أنهم مختصون بها؛ وهي لهم كما لـ "ما لك من مالك ... "؛ وذلك يدل على تأكيد الجزاء؛ و "الفردوس "؛ لفظ غير عربي؛ يراد به الحدائق الغناء؛ وفردوس الجنة: أعلاها مكانا؛ وأوسطها شأنا؛ وجمعها للدلالة على كثرة فضلها؛ وتنوع خيرها؛ وتعدده؛ و "نزلا "؛ أي: إقامة ثابتة؛ ينزلون فيها راضين بطيب الإقامة؛ وهدوء المثوى؛ وأنها إقامة هادئة طيبة؛ وهي مساكن؛ ومعنى "ثابتة ": دائمة مستمرة; ولذا قال (تعالى):