خالدين فيها أي: مقيمين فيها إقامة دائمة؛ ولا يجدون أفضل منها ينتقلون إليه; ولذا قال (تعالى): لا يبغون عنها حولا أي: لا يطلبون؛ مريدين مبتغين عنها تحولا وانتقالا؛ فهم ينعمون فيها بنعمة الدوام والبقاء؛ وعدم الإزعاج بالانتقال منها؛ والنعمة الثانية: بلوغ الغاية في الراحة والاطمئنان؛ فلا يبغون حولا؛ بل ينعمون فيها بنعمة الرضا بها؛ وأنهم لا يجدون خيرا منها.
وإن هذا من فضل الله؛ وهو تقديره؛ وعلمه المحيط؛ وقد وسع كل شيء علما؛ فهو شامل الوجود كله; ولذا قال (تعالى): قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا الخطاب في "قل "؛ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتضمن أمر الله (تعالى) لنبيه بأن يعلمهم و "كلمات الله (تعالى) "؛ هي تصوير لعلمه الذي لا يحصى؛ ولا يحد؛ فهذه الآية أمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يصور علمه بأنه غير متناه؛ فلا يحده حد؛ فالكلمات [ ص: 4599 ] لا تحده؛ ولا تحيط به؛ ومهما يكن مداد الكلمات؛ ولو كان المداد ماء البحر؛ و "ال "؛ للجنس؛ والاستغراق؛ أي أن البحار كلها مداد؛ وهو ما يكتب به؛ إحاطة علم الله (تعالى) بكل شيء؛ ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السماء والأرض؛ لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي كقوله (تعالى): ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم وإن هذا تصوير مقرب لعلم الله الذي أحاط بكل شيء علما؛ فلو كان علم الله يدون في مكتوب؛ ما وجد المداد الذي يدون كلماته؛ فلو كان البحر مدادا لكلماته - سبحانه - لنفد البحر؛ وما انتهت كلمات الله (تعالى)؛ وهذا تصوير وتقريب؛ وفيه تشبيه بمفردات معلومات الله بالكلمات؛ وأنها لا تنتهي أبدا.
وهنا أمور بيانية يجب التنبيه إليها:
الأمر الأول: ذكر كلمات الله (تعالى) مضافة إلى ربه مرتين؛ وذلك بيان لشرفها؛ وعلوها؛ لأن علمه كامل.
الأمر الثاني: المقابلة البيانية في قوله (تعالى): لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي فإن كلمات الله لا تنتهي؛ ولكن عبر عن ذلك بالنفاد؛ من قبيل الجناس؛ في قوله (تعالى): لنفد البحر
الأمر الثالث: أنه أظهر في موضع الإضمار؛ فقد قال (تعالى):