وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين
وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها حكاية لما أوتوا من النعم البادية في مسايرهم ومتاجرهم، وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم، بسبب ذلك تكملة لقصتهم، وبيانا لعاقبتهم، وإنما لم يذكر الكل معا لما في التثنية، والتكرير من زيادة تنبيه وتذكير، وهو عطف على "كان لسبأ" لا على ما بعده من الجمل الناطقة بأفعالهم، أو بأجزيتها، أي: وجعلنا مع ما آتيناهم في مساكنهم من فنون النعم بينهم، أي: بين بلادهم، وبين القرى الشامية التي باركنا فيها للعالمين. قرى ظاهرة متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهي ظاهرة لأعين أهلها، أو راكبة متن الطريق ظاهرة للسابلة غير بعيدة عن مسالكهم حتى تخفى عليهم. وقدرنا فيها السير أي: جعلناها في نسبة بعضها [ ص: 129 ] إلى بعض على مقدار معين يليق بحال أبناء السبيل. قيل: كان الغادي من قرية يقيل في أخرى، والرائح منها يبيت في أخرى إلى أن يبلغ الشام. كل ذلك كان تكميلا لما أوتوا من أنواع النعماء، وتوفيرا لها في الحضر والسفر. سيروا فيها على إرادة القول، أي: وقلنا لهم سيروا في تلك القرى. ليالي وأياما أي: متى شئتم من الليالي والأيام. آمنين من كل ما تكرهونه لا يختلف الأمن فيها باختلاف الأوقات، أو سيروا فيها آمنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالي وأياما كثيرة، أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور، وتسوية مبادئه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك.