ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما شروع في بيان افتتان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأذية أممهم إثر بيان افتتان المؤمنين بأذية الكفار، تأكيدا للإنكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الإيمان بلا ابتلاء، وحثا لهم على الصبر. فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث ابتلوا بما أصابهم من جهة أممهم من فنون المكاره، وصبروا عليها فلأن يصبر هؤلاء أولى وأحرى. قالوا: كان عمر نوح عليه السلام ألفا وخمسين عاما، بعث على رأس أربعين سنة، ودعا قومه تسعمائة وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان ستين سنة. وعن أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة. ولعل ما عليه النظم الكريم للدلالة على كمال العدد فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه، ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة، فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيته على ما كان عليه من مكابدة ما يناله من الكفرة، وإظهار ركاكة رأي الذين يحسبون أنهم يتركون بلا ابتلاء، واختلاف المميز لما في التكرير من نوع بشاعة. وهب فأخذهم الطوفان أي: عقب تمام المدة المذكورة. و "الطوفان" يطلق على كل ما يطوف بالشيء على كثرة، وشدة من السيل والريح والظلام، وقد غلب على طوفان الماء. وهم ظالمون أي: والحال أنهم مستمرون على الظلم لم يتأثروا بما سمعوا من نوح عليه السلام من الآيات، ولم يرعووا عما هم عليه من الكفر، والمعاصي هذه المدة المتمادية.