إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون
المعنى: إنما مثل تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ يصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل من السماء فاختلط، ووقف هنا بعض القراء على معنى: فاختلط الماء بالأرض، ثم استأنف: به نبات الأرض على الابتداء والخبر المقدم، ويحتمل -على هذا- أن يعود الضمير في "به" على الماء أو على الاختلاط الذي يتضمنه القول. ووصلت فرقة فرفع "النبات" على ذلك بقوله: "فاختلط" ، أي:اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء، وقوله: مما يأكل الناس يريد الزروع والأشجار ونحو ذلك، وقوله: والأنعام يريد سائر العشب المرعي.
و أخذت الأرض لفظة كثرت في مثل هذا، كقوله: خذوا زينتكم . والزخرف: التزين بالألوان، وقد يجيء الزخرف بمعنى الذهب إذ الذهب منه، وقرأ ، مروان بن الحكم ، والسبعة، وأبو جعفر وشيبة ، ، والجمهور: "وازينت"، أصله: تزينت، سكنت التاء لتدغم فاحتيج إلى ألف وصل. وقرأ ومجاهد ، ابن مسعود ، والأعمش : "وتزينت" وهذه أصل قراءة الجمهور. وقرأ وأبي بن كعب الحسن، ، وأبو العالية ، والشعبي ، وقتادة ونصر بن عاصم ، : "وأزينت" على معنى: حضرت زينتها كما تقول: أحصد الزرع، و"أزينت" على مثال: أفعلت، وقال وعيسى عوف بن أبي جميلة: كان أشياخنا يقرؤونها: "وازيانت" النون [ ص: 471 ] شديدة والألف ساكنة قبلها، وهي قراءة ، وقرأت فرقة "وازيأنت" ، وهي لغة منها قول الشاعر: أبي عثمان النهدي
....................... ... إذا ما الهوادي بالعبيط احمأرت
وقرأت فرقة: "وازاينت" ، والمعنى في هذا كله: ظهرت زينتها.
وقوله تعالى: وظن أهلها على بابها. والضمير في "عليها" عائد على الأرض، والمراد ما فيها من نعمة ونبات، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها، و"حتى" غاية، وهي حرف ابتداء لدخولها على "إذا"، ومعناها متصل إلى قوله: قادرون عليها ، ومن بعد ذلك بدأ الجواب، والأمر الآتي واحد الأمور كالريح والصر والسموم ونحو ذلك، وتقسيمه ليلا أو نهارا تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت، و"حصيدا": فعيل بمعنى مفعول وعبر بحصيد عن التالف الهالك من النبات وإن لم يهلك بحصاد إذ الحكم فيهما واحد، وكأن الآفة حصدته قبل أوانه، وقوله: كأن لم تغن أي: كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر بغضارتها، وقرأ "يغن" بالياء من تحت، يعني الحصيد، وقرأ قتادة : "كأن لم تتغن" بتاءين مثل تتفعل، والمغاني: المنازل المعمورة، ومنه قول الشاعر: مروان
وقد نغنى بها ونرى عصورا ... بها يقتدننا الخرد الخذالا
وفي مصحف : "كأن لم تغن بالأمس" وما كنا لنهلكها إلا بذنوب [ ص: 472 ] أهلها "كذلك نفصل الآيات" ، رواها عنه أبي بن كعب رضي الله عنهما. وقيل: إن فيه: "وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها" ، وقرأ ابن عباس : "لقوم يتذكرون". أبو الدرداء
ومعنى الآية إذ هي معرضة للتلف وأن يصيبها ما أصاب هذه الأرض المذكورة بموت أو غيره من رزايا الدنيا، وخص المتفكرين بالذكر تشريفا للمنزلة، وليقع التسابق إلى هذه الرتبة. التحذير من الاغترار بالدنيا