[ ص: 474 ] قوله - عز وجل -:
قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين
هذا لفظ يتضمن التشنيع بقبح فعلهم؛ والتعجب من سوء حالهم؛ في وأدهم البنات؛ وحجرهم الأنعام والحرث؛ قال : وكان الوأد في عكرمة ربيعة ومضر.
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وكان جمهور العرب لا يفعله؛ ثم إن فاعليه كان منهم من يفعله خوف العيلة والإقتار؛ وكان منهم من يفعله غيرة؛ مخافة السباء؛ وقرأ ؛ ابن عامر : "قتلوا"؛ بتشديد التاء؛ على المبالغة؛ وقرأ الباقون: "قتلوا"؛ بتخفيفها. وابن كثير
و ما رزقهم الله ؛ هي تلك الأنعام؛ والغلات التي توقف بغير شرع؛ ولا مثوبة في معاد؛ بل بالافتراء على الله تعالى ؛ والكذب؛ و"قد ضلوا"؛ إخبار عنهم بالحيرة؛ وهو من التعجيب بمنزلة قوله تعالى "قد خسر"؛ "وما كانوا"؛ يريد: "في هذه الفعلة"؛ ويحتمل أن يريد: "وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعلة مهتدين"؛ ولكنهم زادوا بهذه الفعلة ضلالا.
وقوله تعالى وهو الذي أنشأ جنات معروشات ؛ الآية؛ هذا تنبيه على مواضع الاعتبار؛ و"أنشأ"؛ معناه: خلق؛ واخترع؛ والجنة مأخوذة من "جن"؛ إذا ستر؛ و"معروشات"؛ قال : ذلك في ثمر العنب؛ ومنها ما عرش وسمك؛ ومنها ما لم يعرش؛ وقال ابن عباس : المعروشات؛ ما عرش -كهيئة الكرم؛ وغيره - البساتين؛ وقيل: المعروش هو ما يعترشه بنو آدم من أنواع الشجر؛ وغير المعروش: ما يحدث في الجبال؛ والصحراء؛ ونحو ذلك؛ وقيل: المعروش: ما حلق بحائط؛ وغير المعروش: ما لم يحلق؛ و"مختلفا"؛ نصب على الحال؛ على تقدير حصول الاختلاف في ثمرها؛ لأنها حين الإنشاء لا ثمرة فيها؛ فهي حال مقدرة؛ تجيء بعد الإنشاء. [ ص: 475 ] و"متشابها"؛ يريد: في المنظر؛ و"غير متشابه"؛ في المطعم؛ قاله السدي ؛ وغيره. ابن جريج
وقوله تعالى كلوا من ثمره ؛ نفس الإباحة؛ وهو مضمن الإشارة إلى النعمة بذلك؛ ويقرأ: "من ثمره"؛ بضم الثاء؛ وقد تقدم. وآتوا حقه يوم حصاده ؛ قالت طائفة من أهل العلم: هي في الزكاة المفروضة؛ منهم ؛ ابن عباس ؛ وأنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن؛ ؛ وطاوس ؛ وجابر بن زيد ؛ وسعيد بن المسيب ؛ وقتادة ؛ ومحمد بن الحنفية ؛ والضحاك ؛ وابنه؛ وقاله وزيد بن أسلم . مالك بن أنس
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا قول معترض بأن السورة مكية؛ وهذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة؛ وحكى أن هذه الآية قيل فيها: إنها نزلت الزجاج بالمدينة؛ ومعترض أيضا بأنه لا زكاة فيما ذكر من الرمان؛ وجميع ما هو في معناه.
وقال أيضا؛ ابن الحنفية ؛ وعطاء ؛ وغيرهم من أهل العلم: بل قوله تعالى ومجاهد وآتوا حقه ؛ ندب إلى إعطاء حقوق من المال؛ غير الزكاة؛ وقال والسنة أن يعطي الرجل من زرعه عند الحصاد؛ وعند الذرو؛ وعند تكديسه في البيدر؛ فإذا صفى؛ وكال؛ أخرج من ذلك الزكاة؛ : حقه: إباحة لقط السنبل؛ وقالت طائفة: كان هذا حكم صدقات المسلمين؛ حتى نزلت الزكاة المفروضة؛ فنسختها؛ وروي هذا عن الربيع بن أنس ؛ ابن عباس ؛ وابن الحنفية وإبراهيم؛ ؛ وقال والحسن ؛ في هذه السورة: [ ص: 476 ] مكية؛ نسختها الزكاة؛ فقال له السدي : عمن؟ قال: عن العلماء. سفيان
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: والنسخ غير مترتب في هذه الآية؛ لأن هذه الآية؛ وآية الزكاة؛ لا [تتعارضان]؛ بل تنبني هذه على الندب؛ وتلك على الفرض.
وقرأ ؛ ابن كثير ؛ ونافع ؛ وحمزة : "حصاده"؛ وقرأ والكسائي ؛ عاصم ؛ وأبو عمرو : "حصاده"؛ بفتح الحاء؛ وهما لغتان في المصدر. وابن عامر
وقوله تعالى ولا تسرفوا ؛ الآية؛ من قال إن الآية في الزكاة المفروضة؛ جعل هذا النهي عن الإسراف؛ إما للناس عن التمنع عن أدائها؛ لأن ذلك إسراف من الفعل؛ وقاله ؛ وإما للولاة عن التشطط على الناس؛ والإذاية لهم؛ فذلك إسراف من الفعل؛ وقاله سعيد بن المسيب ؛ ومن جعل الآية على جهة الندب إلى حقوق غير الزكاة؛ ترتب له النهي عن الإسراف في تلك الحقوق؛ لما في ذلك من الإجحاف بالمال؛ وإضاعته. ابن زيد
وروي أن الآية نزلت بسبب أن حصد غلة له؛ فقال: "والله لا جاءني اليوم أحد إلا أطعمته"؛ فأمسى وليس عنده ثمرة؛ فنزلت هذه الآية؛ وقال ثابت بن قيس بن شماس : كانوا يعطون شيئا عند الحصاد؛ ثم تباروا؛ وأسرفوا؛ فنزلت الآية؛ ومن قال إنها منسوخة؛ ترتب له النهي في وقت حكم الآية. أبو العالية