[ ص: 573 ] قوله عز وجل:
وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك
"المولود": اسم جنس وصنف من الرجال، والرزق في هذا الحكم: الطعام الكافي.
وقوله: "بالمعروف:" يجمع حسن القدر في الطعام وجودة الأداء له، وحسن الاقتضاء من المرأة، ثم بين تعالى أن الإنفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها بقوله: لا تكلف نفس إلا وسعها ، وقرأ جمهور الناس: "تكلف" بضم التاء، "نفس" على ما لم يسم فاعله. وقرأ : "تكلف" بفتح التاء بمعنى تتكلف "نفس" فاعله. وروى عنه أبو رجاء : "لا نكلف" بالنون "نفسا" بالنصب. وقرأ أبو الأشهب ، أبو عمرو ، وأبان، عن وابن كثير : "لا تضار والدة" بالرفع في الراء وهو خبر معناه الأمر، ويحتمل أن يكون الأصل "لا تضارر" بكسر الراء الأولى، فـ "والدة" مفعول لم يسم فاعله، ويعطف "مولود" له على هذا الحد في الاحتمالين. وقرأ عاصم ، نافع ، وحمزة ، والكسائي "لا تضار" بفتح الراء المشددة وهذا على النهي، ويحتمل أصله ما ذكرنا في الأولى. وعاصم
ومعنى الآية -في كل قراءة- النهي عن أن تضار الوالدة زوجها المطلق بسبب ولدها، وأن يضارها هو بسبب الولد أو يضار الظئر; لأن لفظة نهيه تعم الظئر، وقد قال في قوله: عكرمة لا تضار والدة معناه: الظئر.
ووجوه الضرر لا تنحصر وكل ما ذكر منها في التفاسير فهو مثال.
[ ص: 574 ] وروي عن رضي الله عنه أنه قرأ. "لا تضارر" براءين الأولى مفتوحة. وقرأ عمر بن الخطاب : "لا تضارر" بإسكان الراء الأولى. أبو جعفر بن القعقاع
واختلف العلماء في معنى قوله: وعلى الوارث مثل ذلك فقال ، قتادة ، والسدي ، والحسن رضي الله عنه، وغيرهم: هو وارث الصبي إن لو مات. قال بعضهم: وارثه من الرجال خاصة يلزمه الإرضاع كما كان يلزم أبا الصبي لو كان حيا، وقاله وعمر بن الخطاب ، مجاهد . وقال وعطاء أيضا وغيره: هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه. وحكى قتادة عن الطبري ، أبي حنيفة وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن أنهم قالوا: الوارث الذي يلزمه إرضاع المولود هو وليه ووارثه إذا كان ذا رحم محرم منه، فإن كان ابن عم وغيره وليس بذي رحم محرم فلا يلزمه شيء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا القول تحكم. وقال قبيصة بن ذؤيب ، ، والضحاك وبشير بن نصر قاضي : الوارث هو الصبي نفسه، أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه. وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الوارث هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما، ويرى مع ذلك إن كانت الوالدة هي الباقية- أن يشاركها العاصب في إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث. سفيان
ونص هؤلاء الذين ذكرت أقوالهم على أن المراد بقوله تعالى: مثل ذلك الرزق [ ص: 575 ] والكسوة، وذكر ذلك أيضا من العلماء ، إبراهيم النخعي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ، والشعبي ، والحسن وغيرهم. وابن عباس
وقال رحمه الله في "المدونة"، وجميع أصحابه، مالك أيضا، والشعبي ، والزهري ، وجماعة من العلماء: بل المراد بقوله: والضحاك مثل ذلك ألا يضار، وأما الرزق والكسوة فلا شيء عليه منه.
وروى ابن القاسم عن أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث، ثم نسخ ذلك. مالك
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالإجماع من الأمة في ألا يضار الوارث، والخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا؟ وقرأ : "وعلى الورثة مثل ذلك" بالجمع. يحيى بن يعمر