وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون
وطعنوا في دينكم : وثلبوه وعابوه، فقاتلوا أئمة الكفر : فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم; إشعارا بأنهم إذا نكثوا في حال الشرك تمردا، وطغيانا، وطرحا لعادات الكرام الأوفياء من العرب، ثم آمنوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصاروا إخوانا للمسلمين في الدين، ثم رجعوا فارتدوا عن الإسلام، ونكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان، والوفاء بالعهود، وقعدوا يطعنون في دين الله، ويقولون: ليس دين محمد بشيء، فهم أئمة الكفر، وذوو الرياسة والتقدم فيه، لا يشق كافر غبارهم، وقالوا: إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعنا ظاهرا، جاز قتله; لأن العهد معقود معه على ألا يطعن، فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة، إنهم لا أيمان لهم :جمع يمين، " وقرئ: [ ص: 18 ] "لا إيمان لهم"، أي: لا إسلام لهم، " أو: لا يعطون الأمان بعد الردة والنكث، ولا سبيل إليه.
فإن قلت: كيف أثبت لهم الإيمان في قوله: وإن نكثوا أيمانهم ثم نفاها عنهم ؟
قلت: أراد أيمانهم التي أظهروها ثم قال: لا أيمان لهم على الحقيقة، وأيمانهم ليست بأيمان; وبه استشهد -رحمه الله- على أن يمين الكافر لا تكون يمينا، وعند أبو حنيفة -رحمه الله-: يمينهم يمين، وقال: معناه: أنهم لا يوفون بها; بدليل أنه وصفها بالنكث، الشافعي لعلهم ينتهون : متعلق بقوله: فقاتلوا أئمة الكفر ، أي: ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعد ما وجد منهم ما وجد من العظائم أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عما هم عليه، وهذا من غاية كرمه، وفضله، وعوده على المسيء بالرحمة كلما عاد .
فإن قلت: كيف لفظ أئمة ؟
قلت: همزة بعدها همزة بين بين، أي: بين مخرج الهمزة والياء، وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة، وإن لم تكن بمقبولة عند البصريين; وأما التصريح بالياء فليس بقراءة، ولا يجوز أن تكون قراءة، ومن صرح بها فهو لاحن محرف .